مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
في مكان ما ... كان لا بد من قيام شخص ما بالإنقاذ والمحافظة، بطريقة أو بأخرى، بالكتب، بالتسجيلات، في عقول الناس، بأي طريقة ما دامت آمنة، وخالية من العث، وحشرات السمك الفضي ، والصدأ والعفن الجاف، والرجال الممسكين بأعواد ثقاب.
راي برادبري، رواية «فهرنهايت 451»
الفصل الثاني عشر
حياة العلماء
1854-1865
لم تصل المقتطفات من كتاب «تاريخ السودان»، التي كان هاينريش بارت قد نسخها في جاندو، إلى أوروبا حتى أواخر العام التالي بعد رحلة شاقة عبر الصحراء. ألقيت مهمة إعادة إنشاء أجزاء المخطوطة من ملاحظات بارت على عاتق المستعرب الألماني كريستيان رالفس، الذي أمضى معظم فصل شتاء عامي 1854-1855 وهو يحاول فهم الشذرات التي كانت قد أعطيت له. كانت أقسام كاملة مفقودة من النص، وكانت اللغة العربية المكتوب به النص نفسها جامدة وأحيانا غير مراعية للقواعد النحوية. ومع ذلك، بحلول فصل الربيع اعتقد رالفس أنه قد تمكن من إخراج ترجمة ألمانية أمينة لمقتطفات بارت، ونشرت في دورية الجمعية الشرقية الألمانية في ليبزيج في وقت لاحق من ذلك العام. لم يكن المستكشف نفسه قد عاد بعد من أفريقيا.
شغلت هذه «الإسهامات الجديدة إلى تاريخ وجغرافيا السودان» ستا وسبعين صفحة، كانت تسع وثلاثون منها مخصصة للملاحظات الهامشية الغزيرة للثنائي. من وجهة نظر رالفس، إن النص أظهر الافتقار الشديد لدى كل الإسهامات السابقة إلى الدراية بغرب أفريقيا، وفي ذلك إسهامات ابن بطوطة وليون الأفريقي. كان ليون قد أشار إشارة موجزة إلى أحد ملوك سونجاي، لكن التأريخ المكتشف حديثا أماط اللثام عن إمبراطورية قوية حكمتها سلالة تدعى سلالة أسكيا، ومنها «الفاتح العظيم» أسكيا الحاج محمد. لم يكن هذا سوى مثال واحد على ثراء المعلومات التاريخية الجديدة، التي أتاحت حينئذ للأوروبيين فك لغز قصة «عالم مجهول تماما ومدمر حاليا.»
كان قد قيل لبارت أن واضع هذا التأريخ هو أحمد بابا، وبالفعل كان جزء منه كذلك؛ لأنه كان يشتمل على مقتطفات مطولة من معجم التراجم الذي كان قد وضعه عن فقهاء المالكية، «كفاية المحتاج». ومع ذلك كان المستكشف، في العجلة التي كان فيها، قد غفل عن دليل رئيسي يشير إلى هوية مؤلفه الحقيقي، عبد الرحمن عبد الله السعدي. ولد السعدي لأسرة تمبكتية في الثامن والعشرين من مايو من عام 1594، وفي الفترة بين عامي 1626 و1627 عين إماما لمسجد سانكوري في جني. بعد ذلك بعام عاد إلى مسقط رأسه، وأصبح إماما ومسئولا في تمبكتو. كتب تأريخه في القرن السابع عشر باللغة العربية وامتد في ثمانية وثلاثين فصلا، كان بعضها مستندا إلى مصادر تاريخية أسبق، والبعض الآخر إلى ملاحظات المؤلف ومقابلاته. كان بناؤه النحوي غير مكتمل مما جعل المؤرخين اللاحقين يعتقدون أن لغة سونجاي، وليس العربية، كانت لغة المؤلف الأولى، واستحضر أسلوبه في بعض المرات إلى الذهن الحكايات الشعبية للأخوين جريم أو حكايات «ألف ليلة وليلة.»
كان بارت، الذي كان ينقصه الوقت وكان يعمل باستماتة لملء الفراغات في المعرفة الأوروبية، قد استخرج قدر ما استطاع من البيانات، مركزا على أجزاء التأريخ التي كانت مخصصة للملوك، والتواريخ التي يمكن التعرف عليها، والإمبراطوريات. بعبارة أخرى، ركز على التاريخ الواسع الشامل.
استهل كتاب «تاريخ السودان» بقائمة لحكام سونجاي القدامى، من سلالة زا، ومضى ليروي الأسطورة المؤسسة لمملكتهم. أول هؤلاء الأمراء كان «زا الأيمن». قيل إن هذا الشخص كان قد غادر اليمن مع شقيقه ليسافر حول العالم، وإن القدر أتى بهما، وهما يتضوران جوعا ويلبسان خرق جلود الحيوانات، إلى مدينة كوكيا، وهي «مدينة قديمة» على نهر النيجر كانت موجودة، حسب ما ورد في التأريخ، منذ زمن المصريين القدماء؛ وإن كوكيا هي المكان الذي جلب منه الفرعون جماعة السحرة التي استخدمها في جداله مع موسى. عندما سأل أهل المدينة الغريبين عن اسميهما، أساء أحد الأخوين فهم السؤال وقال إنهما أتيا من اليمن - «جاء من اليمن» - لذا دعاه أهل كوكيا، الذين كانوا يجدون صعوبة في نطق الكلمات العربية، زا الأيمن.
صفحه نامشخص