مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
قال: «أعرف أن الناس في تمبكتو وجاو لا يكفون عن الثرثرة، ولكن أريد منكم أن تكونوا متحفظين فيما تتلفظون به.»
لم يكن المدير يملك أي مال للمهمة إذ كان تمويله لا يزال مجمدا؛ لذا دفع مقابل رحلتهم من أمواله الخاصة. أخذهم بالسيارة إلى البنك الذي كان في نفس الشارع وسحب مبلغا كبيرا، وأعطى لكل عميل منهم 100 ألف فرنك وسط أفريقي (ما يعادل 170 دولارا أمريكيا). بعد ذلك طلب منهم أن يعودوا إلى البيت ويحزموا حقائبهم.
في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي، حمل العملاء حقائبهم إلى ملتقى الطرق الدائري الخاص بسوجولون، الذي تنتصب فيه منحوتة لجاموس ماء، وركبوا حافلة متجهة إلى موبتي. •••
كان السفر في مالي صعبا في أهدأ الأوقات. كانت السيارات بطيئة، وزنبركاتها مكسورة، ومقاعدها غير مريحة وإطاراتها منحولة على نحو خطر، ومع أن حرفيي ميكانيكا السيارات كانوا يأتون بالعجائب، كانت الأعطال تحدث في كل رحلة تقريبا. كان يوجد 3400 ميل فقط من الطرق المرصوفة في بلد تعادل مساحته ضعف مساحة فرنسا، وكانت الشاحنات الكبيرة وعربات الفان تتنافس عليها مع السيارات المسرعة، والعربات التي تجرها الحمير المثقلة بحمولة فوق طاقتها، والمارة، وركاب الدراجات الهوائية، متفادية الحافلات المعطلة وجثث الحيوانات. وعلى الرغم من قلة الطرق في البلاد، كان احتمال أن يقضي المالي نحبه في حادث سيارة أعلى بسبع مرات من احتمال وفاة البريطاني، وأكثر قليلا من ضعف احتمال وفاة الأمريكي لنفس السبب.
ازداد التوتر في الرحلة سوءا بسبب مهمة العملاء. كان دخول منطقة الجهاديين وحده مخاطرة كافية؛ وكم كان من الأسوأ أن تسافر بقصد غير مشروع، مهما كان نبيلا، كان يمكن أن يؤدي إلى السجن، أو قطع اليد، أو القتل. في الطريق إلى الشمال، اختبر الرجال نقاط التفتيش التي كان سيتعين عليهم عبورها ومعهم حمولتهم في الطريق إلى الجنوب. عند دوينتزا، حيث انحرف مسارهم عن الطريق المرصوف، رأوا أول جهاديين. تذكر القاضي قائلا: «كانوا في كل مكان.» كانت توجد نقاط تفتيش إضافية على مسافة مائة ميل شمالا، عند بامبارا ماوندي، وجنوب النهر مباشرة. في كل توقف كان عليهم أن يظهروا هوياتهم ويجيبوا على أسئلة الجهاديين. من أنت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ ما سبب مجيئك؟
عندما بلغوا محطة عبارات نهر النيجر قبالة كوريومي، كان قد مضى عليهم في سفرهم ست وثلاثون ساعة. كان وقت الغسق، ولم يكن مسموحا لهم أن يدخلوا تمبكتو بعد حلول الظلام؛ لذا استعدوا لأن يناموا في العراء، على الضفة الجنوبية للنهر الفضي العظيم. لم يكونوا وحدهم؛ إذ كان بويا، الذي كان ذا شخصية عصبية وضحكة عالية، قد تعرف على صديق وعلى الرغم مما كان معيجا قد قاله، لم يستطع أن يمنع نفسه من الإفصاح عن السر الذي كان يثقله. قال لصديقه إنهم كانوا في مهمة، وربما سيحاولون أن يدخلوا أحد مباني معهد أحمد بابا. أصاب الذهول الصديق. كانت محاولة إتيان عمل كهذا بمثابة انتحار. وقبل أن يحاول أي منهم أن يوقفه، كان يجري مكالمة هاتفية ليناقش الأمر مع شقيقه، الذي وافقه على أنهم يجب ألا يحاولوا دخول المعهد تحت أي ظرف من الظروف؛ وحذرهم قائلا: «إن دخلتم المبنى، فسيقتلكم الإسلاميون.»
لم تكن النصيحة هي التي ما أصاب القاضي وسديدي بالقلق بقدر حقيقة أن أمر المهمة قد صار معلنا.
تابع العملاء طريقهم. في الصباح عبروا النهر ومروا عبر نقاط التفتيش النهائية، عند كوريومي وعند محطة توتال للوقود عند مدخل المدينة. بعد ذلك مضى سديدي والقاضي ليخلدا إلى الراحة في منزل القاضي في أباراجو، الذي كان شقيقه لا يزال مقيما فيه، وفي اليوم التالي ذهبا إلى أحد الزملاء، وهو أبو بكرين معيجا، الذي كان يقطن مع أسرته بالقرب من مسجد سيدي يحيى، ليخبراه بأنهما قد أرسلا لإخراج بعض المخطوطات من تمبكتو.
اتفق على أن بويا، بصفته الأكبر سنا، ينبغي أن يذهب الآن لمقابلة الحارس العجوز أبا وحفيده حاسيني ويخبرهما بأمر المهمة. بعد المغادرة بقليل، اتصل بويا ليقول إنه كان قد تحدث معهما وإنه لم تكن ثمة مشكلة؛ لذا سار القاضي وسديدي عبر الأزقة الرملية إلى شارع شيمنيتز. قادهم أبا إلى الساحة الصغيرة ذات الأشجار خلف المبنى وفتح الباب المؤدي إلى المستودع، الذي كان عبارة عن غرفة ذات حوائط بيضاء كانت تضم المخطوطات، التي كانت كل مخطوطة منها موضوعة بعناية في صندوقها غير الحمضي، حيث كانت مخزنة في خزائن خشبية. كان العملاء قد جاءوا مزودين بعدد من أشولة الأرز من فئة عشرة كيلوجرامات، وأخرجوا المخطوطات من الصناديق وعبئوها بحرص في الأشولة.
كانوا جميعا متوترين، وبخاصة بويا؛ الذي يتذكر ذلك قائلا: «في اليوم الأول كنا خائفين للغاية لأنها كانت المرة الأولى التي نفعل فيها ذلك.» ثم أضاف: «كنا مرتعبين حقا، ولكن ما الذي يمكننا فعله؟ لم يكن الأمر يخلو من المخاطرة!» تسبب سديدي في مشكلة إضافية؛ إذ كان لديه حساسية من الغبار، والذي كان في كل مكان، وظلت تنتابه نوبات سعال لا يمكن السيطرة عليها.
صفحه نامشخص