مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
وبعد أن طرح بارت عنه تنكره، أمضى المستكشف أسابيعه الثلاثة الأولى في المدينة متحصنا داخل المنزل، مقتنعا بأن العواتي كان يتآمر مع مرشده الخائن لسرقته قبل مقتله المحتوم، ولكن في الساعة الثالثة من فجر يوم السادس والعشرين من شهر سبتمبر سمع الموسيقى تصدح خارج نافذته؛ إذ كانت مجموعة من النساء تحتفل بوصول البكاي. كان حماس بارت لظهور الرجل الذي كانت سلامته تعتمد عليه قد جعله يصاب بنوبة جديدة من الحمى، ولم يتمكن من أن يزوره في اليوم التالي لتحيته والتعبير عن احترامه، لكن الشيخ، مظهرا أخلاقه الحميدة المشهورة، أرسل رسالة يرجو فيها من المستكشف أن يستريح، مقدما له هدية عبارة عن ثورين، وغنمتين، ووعاءين من الزبد وحملي جمل من الأرز والذرة، مع تحذير بألا يأكل أي شيء إلا ما كان آتيا من منزله. كانت هذه بداية ميمونة للعلاقة بين المستكشف والرجل الذي سيطلق عليه فيما بعد «صديقي» و«نصيري»، والذي سيشبه نفوذه بنفوذ قداسة البابا. لم تحظ أي شخصية في سرد بارت الهائل لحملته - لا أوفرويج، ولا حتى حكام ولايات وسط أفريقيا التي زارها - بالإعجاب الذي أغدقه المستكشف على البكاي، الذي كان أول علامة من تمبكتو يكون بينه وبين شخص أوروبي تواصل مطول وموثق.
في صباح اليوم التالي - الذي كان يوما عاصفا، يوافق الذكرى السنوية لوفاة أوفرويج، كما ذكر بارت نفسه - كان المستكشف قد تعافى بما يكفي لأن يؤدي زيارة مجاملة إلى منزل البكاي. وجد الشيخ في غرفة علوية صغيرة كانت تطل على حديقة سطح، وبصحبته اثنين من تلاميذه وابن أخ شاب. كان الرجل، الذي انتصب واقفا لتحية بارت، في نحو الخمسين من عمره، طويلا و«كامل التناسق»، وله لحية رمادية وملابسه كلها سوداء اللون. لاحظ بارت على الفور قسمات وجهه البشوشة الذكية و«شخصيته الواضحة والصريحة»: كان قد قامر بحياته على هذا الرجل، والآن كان متأكدا من أنه كان في أمان. وبعد أن ألقى عبارات المجاملة وقدم للبكاي هدية عبارة عن مسدس سداسي الطلقات، انخرطا في حوار متبادل مطول وعميق. كان لينج، المسيحي الوحيد الذي قابله بعلم مسبق أي أحد في تمبكتو، هو موضوع محادثتهما الأول، وعرف بارت أن البكاي كان ابن سيدي محمد الكونتي، الشيخ الذي كان قد ساعد لينج قبل يستسلم لوباء ألم به.
سرعان ما وجه المسدس ... الذي أهديته له، دفة حديثنا إلى موضوع تفوق الأوروبيين في مهارة التصنيع ... وأحد الأسئلة الأول التي طرحها علي مضيفي كان عما إذا كان صحيحا، كما أخبر [الميجور لينج] والده، سيدي [محمد]، أثناء إقامته في أزواد، أن عاصمة الإمبراطورية البريطانية كان تضم مليوني شخص.
عبر البكاي عن «إعجابه بقوة الميجور الجسدية، وكذلك بشخصيته التي تنطوي على النبل والفروسية»، لكن عندما استفسر بارت عن أوراق لينج، قيل له إنها لم تعد موجودة، ومع ذلك كان الشيخ على علم بأن لينج كان قد رسم خريطة للجزء الشمالي من الصحراء بكامله أثناء إقامته في أزواد.
بعد لقائهما، بعث بارت بمزيد من الهدايا إلى منزل الشيخ عبر الشارع، لكن البكاي رجاه أن يتوقف عن ذلك، طالبا منه فقط ألا ينساه عندما يعود إلى إنجلترا، وأن يقدم «طلبا إلى حكومة صاحبة الجلالة أن ترسل إليه بعض الأسلحة النارية الجيدة وبعض الكتب العربية.» كان الأدب محل تقدير عظيم لدى صفوة تمبكتو. وبينما كان في المدينة، سمع بارت شائعات عن وجود مكتبات قديمة ضخمة، كان بعضها قد دمره الفولانيون، والبعض الآخر كان مخبئا، ومع أن البكاي لم يطلع بارك على مجموعة مخطوطات، فقد كشف عن مجموعة صغيرة من الأعمال المقدرة، من بينها نسخة من كتابات أبقراط بالعربية كان كلابرتون قد أهداها لسلطان صكتو، والتي كان السلطان قد أعطاها بدوره للبكاي. كان يوجد طلب عظيم على الأعمال المكتوبة هنا وفي جنوب السودان عموما، بحسب ما أورد بارت، حتى إنه
يمكنني أن أؤكد، بثقة كاملة، أن تلك الكتب القليلة التي أخذها الكابتن الاسكتلندي الهمام [كلابرتون] إلى وسط أفريقيا كان تأثيرها في استمالة أصحاب السلطة في أفريقيا إلى شخصية الأوروبيين أكبر من أغلى هدية قدمت لهم على الإطلاق.
وإذ أخذ بارت يراقب الشيخ خلال الأسابيع والشهور التالية، أصبحت طبيعة التمبكتي اللطيفة والمحبة للعلم أكثر وضوحا من ذي قبل. كثيرا ما كان تلاميذ يحضرون إلى البكاي، وكان بعضهم يأتي من مسافات بعيدة ليتتلمذوا على يديه. كان قد أنشأ مكانا للصلاة في الساحة الصغيرة أمام منزله حيث كان يمكن للتلاميذ أن يمضوا ليلتهم، وفي وقت متأخر من المساء كان يحكي لهم قصصا متعلقة بمواضيع دينية، أو يفتح معهم نقاشات دينية، مظهرا «براهين لا لبس فيها على عقل مستنير وراق.» كان من موضوعاته المفضلة سير الأنبياء، الذين قال إن كل واحد منهم كان يمتلك سمة شخصية تميزه عن بقيتهم: فأورد بارت أنه «ركز بوجه خاص على الصفات المميزة لموسى، الذي كان مفضلا جدا لديه.» في إحدى المناسبات تأثر المستكشف تأثرا عميقا بالطريقة التي قاد بها البكاي تلاميذه في تلاوات لنصوص إسلامية:
كان الشيخ في جزء من اليوم يقرأ ويتلو على تلاميذه فصولا من أحاديث البخاري، بينما يسمع ابنه الشاب بصوت مرتفع درسه من القرآن، وفي المساء كان التلاميذ يتلون بطريقة جميلة، حتى ساعة متأخرة من الليل، العديد من سور القرآن الكريم. لم يكن يوجد أي شيء أكثر جاذبية لي من سماع هذه الآيات الجميلة تتلى من هذه الأصوات الجهورية في هذا البلد الصحراوي المفتوح.
لم يكن البكاي مجرد فقيه ورجل دين؛ إذ كان قوة سياسية في المنطقة استخدم نفوذه لصالح تمبكتو. في بعض الأحيان كان يحل نزاعات بين عشائر متناحرة، أو يحاول أن يعيد فتح طرق تجارة كانت القبائل قد أغلقتها، أو يخطط لتحرير المدينة من الطاغية الذي كان يسيطر عليها، أحمد الثالث. كان وجود بارت يمثل صداعا سياسيا ضخما للبكاي، لكنه صداع يبدو أن الشيخ كان يستمتع به. طوال ثمانية شهور كان يناور بمهارة لإدخال المستكشف إلى المدينة وإخراجه منها، مستدعيا حلفاءه لحماية بارت عندما كانت الضرورة تستدعي ذلك. كان دون شك مدفوعا بالندم لما كان قد جرى للينج وبالأمل في أن بريطانيا يمكن أن تكون حليفا له في مواجهة الفرنسيين، الذين كانوا بالفعل يشنون توغلات عسكرية عدوانية في الصحراء الكبرى، لكن السبب الرئيسي الذي كان يدعوه إلى حماية المسيحي، بحسب بارت، كان أن يظهر للفولانيين من الذي كان يحكم تمبكتو.
في أواخر عام 1853، بعد أن كان البكاي قد أحبط العديد من المحاولات للإمساك ببارت، أرسل السلطان أحمد رسالة يأمر فيها بأن يسلم إليه المسيحي ومتعلقاته. كان سخط الشيخ من النسب الوضيع للرسول يكاد يوازي سخطه من محتوى الرسالة، وردا على ذلك، نظم قصيدة مسيئة، هاجم فيها السلطان لتآمره لقتل صديقه، الذي كان رجلا متبحرا في الدين أكثر من الحاكم الفولاني نفسه. وأعلن، بعدما أورد قائمة بأصله الممتد والنبيل، قائلا: «إن ضيفي هو شرفي.» هل حقا أرسل أحمد العبد لاعتقال بارت، «حتى يتمكن [أحمد] من نهب متعلقاته وتقييده بالأغلال؟» إن أصر السلطان على ذلك، فسيكون البكاي بلا جريرة أمام الله إن دعا أتباعه في ماسينا إلى الإطاحة بحكم السلطان:
صفحه نامشخص