مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
1795-1820
في الأول من مايو من عام 1797، كتب جوزيف بانكس رسالة قصيرة إلى صديقه المفوض الفرنسي في لندن بينت بإيجاز موقف الرابطة الأفريقية. كانوا يرون أن مسألة إرسال مستكشفين لاستكشاف المناطق الداخلية من أفريقيا هي أمر أصعب مما كانوا يأملون. كتب يقول: «لقد فقدنا بالفعل ثلاثة رجال مؤهلين تأهيلا جيدا، دون أن نستجلي قدرا كبيرا من الجغرافيا الداخلية للبلاد، لكننا ما زلنا مستمرين في عزمنا.»
في حقيقة الأمر، كان مستكشفان اثنان فقط قد «فقدا» على نحو بات. كان لوكاس قد شد الرحال بعد ليديارد بوقت قصير، مغادرا إلى طرابلس في أغسطس من عام 1788، لكن تمردا في جنوب ليبيا أعاق طريقه جنوبا وعاد سالما دون مغادرة ساحل البحر المتوسط. بعد ذلك جاء العسكري الأيرلندي المثقل بالدين دانيل هوتون، الذي عرض أن يحاول الوصول إلى الداخل من نهر جامبيا، والعثور على مدينة «تومبوكتو» الشهيرة، ثم اقتفاء المسار المجهول لنهر النيجر؛ كل ذلك مقابل مبلغ إجمالي متواضع قيمته 260 جنيها إسترلينيا. وافقت الرابطة بسرور على عرضه، وانطلق هوتون في رحلته في عام 1790. وفي الأول من سبتمبر من العام التالي كتب رسالة قصيرة بالقلم الرصاص من سيمبينج، في مملكة لودامار السودانية، يقول فيها إنه بصحة جيدة، ولم تصل عنه أي أخبار بعد ذلك مطلقا.
ومع ذلك، كان ثمة مستكشف رابع في المجال كان بانكس يأمل بشدة أن يكون الآن في طريق عودته من «تومبوكتو». كان هذا الرجل هو الاسكتلندي ذا الخمسة والعشرين ربيعا مونجو بارك، الذي كان في تلك اللحظة بعينها يشق طريقه بجهد جهيد نحو ساحل غرب أفريقيا بعد رحلة دامت عامين فقد فيها كل شيء عدا قبعته المصنوعة من جلد القندس. ومع أن هذا يبدو غير واعد، فسيتضح أن رحلة بارك كانت أعظم نجاح للرابطة الأفريقية، والتي وضعت نموذجا جديدا للشخصية البطولية للرجل الأبيض في القارة السمراء والذي فيما بعد سيكون المقياس الذي يقاس عليه المستكشفون اللاحقون. سافر بارك عبر أراض تعج ب «المور» القتلة والحيوانات البرية الشرسة، دون سلاح تقريبا إلا جرأته البريطانية، وإيمانه الذي لا يتزعزع، وتكوينه الجسماني الرائع. والأهم من كل ذلك أنه سيرجع حيا.
تلقى بارك، الذي كان ابن مزارع ثري، تدريبا ليصبح جراحا، لكن ما اجتذب اهتمام بانكس إليه كان علم النبات. رتب له رئيس الجمعية الملكية أن يسافر إلى جزر الهند الشرقية الهولندية للحصول على العينات، واستأجرته الرابطة الأفريقية بعد عودته ومعه ثمانية توصيفات جديدة للأسماك السومطرية. كان شجاعا ومثابرا، حتى بعد إخباره باختفاء هوتون؛ إذ كتب: «عرفت أنني كنت قادرا على تحمل المشقة، واعتمدت على شبابي وقوة تكويني الجسماني ليحفظاني من تأثيرات الطقس.»
أبحر من بورتسموث في الثاني والعشرين من مايو من عام 1795، حاملا معه اعتمادا مستنديا بقيمة 200 جنيه إسترليني وتعليمات تنص على «مواصلة الطريق حتى نهر النيجر، عند الوصول إلى أفريقيا ... والتأكد من اتجاه ذلك النهر، وأيضا، إن أمكن، من منبعه ومصبه»، ثم استخدام «قصارى جهده» لزيارة البلدات أو المدن الرئيسية المجاورة له، وتحديدا «تمبكتو، وهوسة» مع أن هوسة، أو هوسا، لم تكن مدينة وإنما شعب. وباكتمال تلك المهمات، يمكن لبارك أن يعود من أي طريق يختاره.
في الحادي والعشرين من يونيو، وصل المركب التجاري الصغير الذي كان يحمله إلى مصب نهر جامبيا، ثم بدأ المركب يمضي ببطء عكس تيار النهر إلى جالية التجار الأوروبيين في جونكاكوندا، حيث سيوصل البريد ويحمل بضائع شمع العسل والعاج. وجهت الدعوة إلى بارك أن يقيم على بعد ستة عشر ميلا أخرى شرقا، في قرية بيسانيا، مع أحد معارف بوفوي، تاجر الرقيق جون لايدلي . وهناك مكث ليتعلم لغة الماندينكا ويجمع أي معلومات يمكنه جمعها عما يكمن أمامه في طريقه. بعد ثلاثة أسابيع تعرض لأول نوبة ملاريا وأصابه الهذيان، وطوال معظم شهري أغسطس وسبتمبر أجبر أن يكون ملازما للمنزل، ممضيا «الساعات المملة» وهو يستمع إلى الأصوات المروعة للعالم الغريب الذي كان على وشك أن يقدم على الخوض فيه:
يمضي الرحالة المرتعب الليل في الإصغاء إلى نقنقة الضفادع (التي كانت أعدادها تفوق الخيال)، والصراخ الحاد لابن آوى، والعواء العميق للضباع؛ يا لها من حفلة موسيقية كئيبة، لا يقطعها إلا هدير الرعد الهائل لدرجة لا يستطيع أي شخص أن يستوعبها إلا أولئك الذين سمعوه!
كان من شأن الأشخاص أصحاب الهمم الأقل أن يستسلموا عند ذلك الحد، لكن بارك أظهر دوما حماسا استثنائيا، وبحلول أوائل شهر ديسمبر، عندما كانت أشعة الشمس الحارقة قد حلت محل الأمطار وانخفض منسوب النهر، شعر بعافية تكفي لأن يبدأ رحلته. غادر بيسانيا بصحبة رجل معتق يسمى جونسون، والذي كان قد نقل يوما ما إلى جامايكا وإنجلترا، وأحد عبيد منزل لايدلي، ديمبا، الذي تلقى وعدا بنيل حريته إذا عاد المستكشف حيا. كان بحوزة بارك حصان؛ وتشكيلة صغيرة من الخرز، والعنبر، والتبغ للمقايضة؛ ومظلة؛ وقبعته المصنوعة من جلد القندس. في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الثالث من ديسمبر من عام 1795، ترك رفاقه الأوروبيين وركب حصانه منطلقا نحو الغابات الأفريقية. عندئذ، كان إدراكه للواقع الخطر قد حل محل حماسه لفكرة أن يصبح «مستكشفا»، تماما كما كان الحال بالنسبة لليديارد، ولذا، كان في حالة مزاجية كئيبة وانطوائية:
كان أمامي الآن غابة لا حدود لها، وبلد، كانت الحياة المتحضرة غريبة على سكانه، ولمعظمهم كان الرجل الأبيض محل فضول أو نهب. تذكرت متأملا أنني كنت قد فارقت آخر أوروبي ربما تقع عليه عيناي، وربما أكون قد تخليت للأبد عن وسائل الراحة التي يكفلها المجتمع المسيحي.
صفحه نامشخص