مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
كان رد حيدرة أن المكتبات الأشهر ليست دوما الأكبر.
كان قد قال لي في شقته: «لا توجد رواية واحدة فقط لعملية الإجلاء.» ثم أردف: «سيكون لدى كل شخص تأويله الخاص للأمر. بروس [هول] سيكون له رواية للأمر، ولإسماعيل رواية أخرى، ومعيجا كذلك، بينما لي أنا روايتي الخاصة. كل هذه الروايات ستكون مختلفة، ولكنها ستكون كلها صحيحة. إن اتفق الجميع على القصة، عندئذ بالتأكيد لن تكون صحيحة.» •••
في أمسيتي الأخيرة في باماكو ألقى حيدرة بورقته الرابحة؛ حيث دعاني إلى جولة في المنازل الآمنة. ومجددا كان وقت الغسق، وبينما كنا نعبر بالسيارة جسر الشهداء بباماكو كانت الشمس تغرب، ملقية بظلال وردية وثقيلة، في نهر النيجر. كان هذا هو وقت رياح الهرمتان، وكان التراب المضطرب بفعل هذه الرياح القوية الدافئة عالقا فوق المدينة. قاد حيدرة السيارة بطريقة جامحة حول جنوب باماكو، مرتديا ثوبا برونزيا من القطن المشمع اللامع وطاقية كوفي متوافقة مع الثوب، ماضيا عبر الظلام المتجمع والازدحام المروري الممتد عبر المدينة. كانت ملاحقته على الطرق الخلفية لهذه المدينة المجهولة، في مطاردة معقدة، نهاية مفاجئة لقصة كانت تبدو يوما ما واضحة.
أوقف السيارة فجأة، وترجل منها، متجها بمرح إلى حركة المرور البطيئة ومسرعا الخطى في زقاق مظلم كئيب. صاح ملقيا التحية على حراس يتبادلون الحديث أو يصلون على سجادة بالخارج دون أن يتوقف عن السير، وفتح هاتفه ليضيء به بئر سلم ويبعد جرذا. صاعدا درجة تلو الأخرى، تبعت الرجل الضخم، وكل منا يتنفس بصعوبة. سرنا عبر ممر مصمت الجدران، ووصلنا إلى بوابة أمان فولاذية، كان مفتاحها مع شخص مؤتمن، ثم دخلنا غرفة مليئة بعشرات أو مئات الخزائن، التي كان بعضها بألوان عادية، والبعض الآخر فولاذه مطلي، وبعضها مزين بصور صواريخ وأشكال تجريدية مصنوعة بقوالب رسم. كانت مكدسة في كومات، وبعضها مغلق بقفل واحد، والبعض مغلق بقفلين، والبعض لم يكن له قفل على الإطلاق. وأخذ جهاز مزيل للرطوبة يصدر طنينا.
كان من الممكن فتح أغطية الخزائن غير المقفلة ، وبداخلها كانت توجد دوما مخطوطات، كان بعضها لا يزال في الصناديق الخالية من الأحماض التي جلبت فيها إلى الجنوب، وبعضها في حافظات ملونة، والبعض الآخر ملفوف في جلود حيوانات. هنا كانت توجد مائة مخطوطة في حزمة واحدة؛ وهناك يوجد مجلد منفرد سمكه ثماني بوصات. منقبا على غير هدى في الخلف، وصولا إلى منتصف كومة من الخزائن، وجدت وثائق هناك أيضا. رفعت بصعوبة غطاء خزانة مقفلة بقفل واحد، ونظرت إلى الداخل؛ فوجدت المزيد من الوثائق.
في بعض الأحيان كان انتقالنا بالسيارة بين مواقع التخزين يستغرق خمس دقائق؛ وأحيانا كان يستغرق نصف ساعة عبر ضواحي العاصمة المالية، وكنت أميز أمام الأنوار الأمامية الشاحنات، ورجال الشرطة، وسيارات الجيش رباعية الدفع، وسحب العادم الصادرة من دراجات نارية صغيرة مارة. ها قد وصلنا لوجهة أخرى. المزيد من الخزائن، والمزيد من أرفف المخطوطات. ها هي بطاقة مطبوعة تحمل اسم مكتبة أبي بكرين بن سعيد، التي كانت تضم 7610 مخطوطات؛ وهناك كانت توجد مخطوطات مكتبة ألفا محمد ديري، التي كانت تضم 6450 مخطوطة. غرفة أخرى، وحصيلة أخرى تضاف إلى المجموع الآخذ في التزايد.
الكثير جدا من الصناديق. والكثير جدا من المخطوطات. هل يمكن أن تصل كلها حقا إلى هذا العدد؟ كان من الصعب على نحو غريب التمسك بالتشكك في مواجهة هذا الرجل الواثق الجذاب. ربما كان قد بالغ قليلا؛ ولكن هل كان ذلك بالغ السوء؟ لم يبد أن المانحين كانوا مهتمين بالأمر. كان قد مر الآن أكثر من ثلاث سنوات على عملية الإجلاء، وحتى الفريق الذي أتى من جامعة هامبورج لدراسة المخطوطات، والذي كانت حكومته قد خصصت تمويلا بملايين اليوروات، لم يكن قد أجرى إحصاء كاملا، ولا حتى تقريبيا. هل كان الأمر مهما حقا؟
كانت الصناديق الثنائية الأقفال ثقيلة بلا شك. هل بوسع حيدرة أن يفتح واحدا من تلك الصناديق؟ قال إنه كان قد ترك المفاتيح في الشقة. وكانت بعيدة للغاية ولم يكن بوسعه أن يعود إليها. على أية حال ، كان يوجد واحد على قمة كومة هناك، ويوجد مفتاح بالفعل في قفله. لا بد أن الحراس قد تركوه بالخطأ. قال لي: انظر في الداخل هناك. ماذا ترى؟ قلت: مخطوطات!
كان الموقع الأخير منزلا كبيرا له حديقة مبهجة في مجمع سكني مسور. كانت توجد بوابة دخول عريضة، وممر للسيارات مغطى بحجارة الرصف. في إحدى الغرف هنا كان يوجد 140 خزانة أخرى؛ فكان المجموع التراكمي الآن يزيد عن ألف خزانة، وسيضاف المزيد في اليوم التالي. قال إن هذه الخزائن كانت لا تزال ممتلئة. وكانت كلها أيضا لا تزال مقفلة بقفل مزدوج.
بينما كنا نغادر غرفة التخزين قلت له إنني أريد منه طلبا أخيرا. هل يمكننا أن نعود إلى الشقة معا، ونأخذ المفاتيح، ونعود لنفتح بضعة صناديق مزدوجة القفل؟ سيكون هذا هو الإثبات النهائي الحاسم؛ وعندئذ نكون قد انتهينا.
صفحه نامشخص