مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
استجاب العديد من المانحين للنداءات الجديدة. ساهمت وزارة الخارجية الألمانية ومؤسسة جيردا هنكل بحوالي مليون دولار سنويا، بينما قاد فريق من جامعة هامبورج الجهود للحفاظ على المخطوطات وفحص محتوياتها . اشترت منظمة سافاما أجهزة لإزالة الرطوبة، ورممت بناية كبيرة في جنوب باماكو لتكون مقرا لها. وهناك، بدأت جديا العملية البطيئة لصنع صناديق جديدة خالية من الأحماض من أجل المخطوطات وتصويرها، حيث وظف حيدرة جيشا كبيرا من الموظفين. كانت سافاما الآن في طريقها للتفوق على الأرشيف الذي تديره الدولة باعتبارها المرجع الرئيسي للمخطوطات المالية.
في تلك الأثناء بدأت تتدفق على المدينة الصغيرة الشهيرة عروض المساعدات من سائر أنحاء العالم. تعهدت منظمة اليونسكو بإعادة بناء جميع الأضرحة المهدمة؛ وكانت ستنهي المهمة في صيف عام 2015. وأسست مبادرة بقيادة أمريكية، تحت اسم «مجموعة عمل نهضة تمبكتو»، بهدف إحياء مالي عن طريق إحياء تراثها الثقافي. تضمن مشروع «نهضة تمبكتو» اتفاقا مع شركة جوجل لجعل الشركة تصور المدينة من أجل نسخة منظور الشارع، التي يمكن فيها، بمقابل مادي، للمستخدمين البعيدين أن يأخذوا جولة افتراضية ويشاهدوا لقطات مصورة لسكان محليين يحكون قصصا عن المدينة. قالت وزيرة الثقافة المالية، ندياي راماتولاي ديالو: «ستكون أداة سياحية لنا.» ثم أردفت: «أرادوا عمل ذلك بطريقة يمكنك من خلالها زيارة تمبكتو بكاملها، فيمكنك رؤية المخطوطات، ويمكنك زيارة المساجد والآثار وكل ما هو موجود في تمبكتو.» كانت توجد أيضا خطط تجري على قدم وساق لإنشاء أول جامعة حقيقية في المدينة، بتكلفة تقديرية بلغت 80 مليون دولار، والتي تقدم دورات في كل شيء من الأدب إلى الزراعة وحتى الطاقة المتجددة.
في خريف عام 2014، سافر حيدرة إلى أوروبا لتسلم جائزة مؤسسة أفريقيا الألمانية المرموقة، تقديرا لجهوده في إنقاذ المخطوطات وتجنب «خسارة لا يمكن تصورها» للتراث العالمي، ولالتزامه الدءوب بتطوير وحفظ التاريخ الأفريقي. قال وزير الخارجية الألمانية، وهو يقدم الجائزة: «كان من الممكن أن يكون للأمر نتيجة مختلفة تماما، لكننا اليوم سعداء بأن 95 بالمائة من المخطوطات قد أنقذت.» •••
لم يصب الجميع بالتفشي الجديد لحمى تمبكتو. في خريف عام 2015، اجتمعت مجموعة متعددة الجنسيات من المتخصصين في الدراسات الأفريقية في الحرم الجامعي المورق لجامعة برمنجهام لحضور ندوة تكريما لكبير الباحثين الفخريين في الجامعة باولو فرناندو دي مورايس فارياس. اجتمع أكاديميون من جميع أنحاء العالم في قاعات مؤتمرات ذات جدران بيضاء لتقديم عروض إيضاحية حول مواضيع متنوعة مثل التعليم التبشيري الكاثوليكي في مملكة الكونغو ودور الرواة القبليين في غرب أفريقيا. وكان من بين المبعوثين خبراء بارزون في التراث الإسلامي لغرب أفريقيا، من بينهم فارياس، وشاميل جيبي، وتشارلز ستيوارت، وماورو نوبيلي من جامعة إلينوي، وبروس هول.
كان هول، وهو أستاذ مساعد طويل معسول اللسان من جامعة ديوك، يعرف دياكيتي، وحيدرة، وهنويك منذ عام 1999، عندما أمضى سنوات عديدة في تمبكتو، وهو طالب دكتوراه شاب، يعمل في المخطوطات. كان واحدا من غربيين قلائل بمقدورهم قراءة وفهم النصوص التي امتلأت بها المكتبات الإسلامية في غرب أفريقيا. ومنذ عام 2013 كان قد صار أبرز المنتقدين علنيا لمنظمة سافاما. بعدما شاهد مقطع فيديو لمحاضرة دياكيتي في أوريجون وقرأ دعوتها للتمويل، شعر بإحساس متزايد بالإحباط. لقد اختبر بنفسه إضفاء الطابع التجاري على المجموعات الخاصة والقيود المفروضة على وصول الباحثين إليها التي غالبا ما كانت تستتبع ذلك. كانت المبالغ التي كانت منظمة سافاما تحاول جمعها، ونطاق السرية المفروض، والمصطلحات الروحانية التي وصفت بها المخطوطات بمثابة علامات إنذار لهول، الذي أرسل ردا متشككا للغاية إلى دياكيتي في القائمة البريدية «مانسا 1»، والذي أرسل إلى أقسام الدراسات الأفريقية حول العالم.
بحسب هول، كانت دياكيتي قد أخطأت في توصيف طبيعة الوثائق. فعلى النقيض من ادعاءاتها بأنها كانت متعددة اللغات، وموسوعية، وعلمانية بطبيعتها، كان 98 بالمائة منها مكتوبا بلغة عربية أدبية، وباستثناء العديد من العقود والرسائل المكونة من صفحة واحدة، كانت الغالبية العظمى منها نصوصا دينية إسلامية. لم يكن هذا بغرض التقليل من شأنها؛ إذ كتب هول: «إنها توفر مصدرا رائعا ومهما للعلماء، الماليين منهم وغير الماليين، ولكن أفضل طريقة لفهمها هي باعتبارها نتاج تقليد أوسع من المعرفة الإسلامية في أنحاء غرب أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع.» ولم تكن بحاجة إلى تحويلها إلى رموز محل توقير.
استمر هول في اتخاذ هذا الموقف في برمنجهام. كان الآن يستخدم كلمة «احتيال» علنا. منذ تأسيس مركز أحمد بابا، قدمت ملايين الدولارات للعاملين في مجال المخطوطات، وتضخم عدد المخطوطات لجذب المزيد من التمويل. لكن أي مجموعة حاولت التعامل مع الوثائق في تمبكتو أصيبت بالإحباط، وقال: «تعتمد عمليات جمع التبرعات [المقدمة إلى تمبكتو] على بعض الاحتيال؛ إذ تقوم على تقديم عرض مناف للحقيقة عن المخطوطات وعددها.» من وجهة نظر هول، إن ثلاثمائة ألف هو أفضل تقدير «للعدد الكلي للمخطوطات العربية الموجودة في منطقة شمال مالي كلها.» قال هول إنه حتى حيدرة نفسه كان في عام 2011 قد قدر العدد في منطقة تمبكتو كلها بما يعادل 101820 مخطوطة. وما لم تكن تستورد على نطاق واسع، فمن ثم يجب أن يكون العدد في المدينة نفسها أقل بكثير. كانت المجموعة الموجودة في معهد أحمد بابا المملوك للدولة هي إلى حد بعيد أهم مجموعة: إذا احتسبت جميع الرسائل، والعقود، والقصائد، والمواد الأخرى المكونة من ورقة واحدة، فقد تصل إلى ثلاثين ألف قطعة. كانت مجموعة حيدرة هي أكبر مجموعة خاصة. وقال هول إن معظم المجموعات الأخرى كانت صغيرة، وأغلبها كان عدده لا يتجاوز العدة الآلاف.
في صميم مسألة الأعداد كانت تكمن مشكلة متعلقة بالتعريف. في عام 2000، كانت مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن قد فهرست مجموعة مما حيدرة ووجدت أربعة آلاف وثيقة فقط، لكن هذا لم يشمل الأعداد الكبيرة من الأحكام القانونية وسندات البيع المكونة من ورقة واحدة، وما إلى ذلك، التي كان كل منها كان يعرف حينئذ على نحو شائع في تمبكتو على أنه مخطوطة في حد ذاتها. في أول لقاء لي مع حيدرة في عام 2013، كان قد اختار بتأن تعريفا أوسع حتى من ذلك حيث أخذ يشخبط على قصاصة لاصقة وأفصح عن أنه، من وجهة نظر والده، حتى هذه كان يمكن أن تسمى مخطوطة. من وجهة نظر هول، كان هذا التعريف بلا معنى.
لم يشك هول في أن عمليات إخلاء مبنى أحمد بابا القديم، أو فوندو كاتي، أو مكتبة مما حيدرة قد حدثت. وكتب في أحد هوامش ورقته البحثية المقدمة: «أصر مسئولون رفيعو المستوى في الحكومة المالية في وقت مبكر على أن المخطوطات من [مبنى أحمد بابا القديم] كانت في أغلبها آمنة، وأنها قد خبئت أو هربت من تمبكتو أثناء الاحتلال السلفي.» لكن معارفه في تمبكتو أخبروه أن مجموعات مخطوطات كثيرة أخرى بقيت في البلدة أثناء الاحتلال، وأن بعضها نقل إلى باماكو، ولكن «بعد» التحرير، من أجل دعم المزاعم بأن هذه الأعداد الهائلة قد أجليت. ضخمت القصة المنقولة لوسائل الإعلام الدولية بعد ذلك بقدر كبير، وكانت النتيجة ضخ أموال غربية ضخمة إلى منظمة سافاما.
وذكر: «إن قصة المخطوطات التي أنقذت هي في أحسن الأحوال قصة مضللة، وهي، في أسوئها، غير شريفة واحتيالية تماما.»
صفحه نامشخص