مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
في هذا الوقت، كان طاقم عمل مركز أحمد بابا يضم الشاب عبد القادر حيدرة، الذي ذكر هنويك أنه كان لديه «صلات جيدة بالكثير من العائلات في المدينة.» ومع ذلك كان العنصر الأهم في تطور المركز الذي كان في مهده هو مديره، محمود زوبر. كان زوبر شخصية نادرة المثال، حتى في أواخر القرن العشرين: كان عالما ماليا معترفا به من قبل الأوساط الأكاديمية الدولية. كان يتقن لغات الفولاني، والسونجاي، والتماشق، والعربية، والفرنسية، وكان لديه معرفة عميقة بتاريخ وثقافة منطقة النيجر الوسطى، وكان قد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عن بحثه في حياة أحمد بابا.
تحت قيادة زوبر، تزايدت شهرة مركز أحمد بابا خلال تسعينيات القرن العشرين، كما تزايدت أيضا مجموعته. في تلك الأثناء، قام حيدرة بمحاولاته الأولى للنهوض بالمكتبات الخاصة. وقرب نهاية العقد، تلقت حظوظ تمبكتو دفعة كبيرة بزيارة ضيف مميز للغاية: هنري لويس جيتس الابن. كان جيتس، الرئيس البارز لقسم الدراسات الأفريقية والأفريقية الأمريكية بجامعة هارفرد، قد أتى إلى مالي لعمل فيلم لسلسلة وثائقية من إنتاج شبكة «بي بي إس» التليفزيونية بعنوان «عجائب العالم الأفريقي». وعلى العكس من الرجال البيض الذين كانوا قد استكشفوا تمبكتو في الماضي، تناول جيتس الموضوع من المنظور المختلف اختلافا كبيرا لشخص من نسل العبيد. كانت زيارته بالتأكيد مشحونة سياسيا؛ ففي الفيلم، الذي عرض لأول مرة عام 1999، صرح بأنه «بصفتي أمريكيا من أصول أفريقية، أعرف شعور أن يسرق تاريخك منك.»
رافق سيدي علي ولد، المرشد الذي يتحدث اللغة الإنجليزية، جيتس في جولة إلى مسجد سانكوري، واصطحب جيتس لمقابلة حيدرة ورؤية كتبه. في هذه الأيام التي سبقت بناء مكتبة مما حيدرة التذكارية، كانت المجموعة محفوظة في غرفة تخزين مزدحمة بصناديق معدنية قديمة، وكانت المجلدات مغطاة بطبقة رقيقة من التراب والرمل. أصيب جيتس بذهول؛ فهنا كان يوجد آلاف المخطوطات، قليل منها مغلف بالجلد، والبعض الآخر كان مجرد أكوام من المطويات السائبة الملفوفة معا بحرص، وبعضها يحتوي على نقوش ذهبية ورسوم توضيحية قدر أنها تساوي آلاف الدولارات في دور المزادات الرئيسية في العالم. واعتقد أنها إن ترجمت فقد تعيد كتابة تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى برمته.
وصف هذه اللحظة في يوميات نشرت على الإنترنت:
بينما كنت واقفا في «مكتبة» حيدرة ... تخيلت الشعور الذي شعر به راعي الغنم وهو ممسك في يده بمخطوطات البحر الميت، شاعرا ربما بعظمة اكتشافه، ولكنه عاجز عن كشف أسراره. هنا، في «بوابة الصحراء»، على حافة طريق الصحراء الكبرى الرملي العظيم الذي تسلكه الجمال، حيث يلتقي عالمان مختلفان طيلة ألف عام، أمسكت في يدي بما قد يكون آخر بقايا الإنجاز الفكري لعالم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
لاحقا، وهو يتحدث أمام الكاميرا في ساحة مسجد سانكوري والدموع في عينيه، تخيل جيتس نفسه «محاطا برجال سود يلبسون الأردية الطويلة والعمائم، التي حصلوا عليها علامة لهم على درجتهم العلمية عند تخرجهم، وكل واحد منهم يحمل كتبا، وهذا المكان كله محاط بالكتب»:
في نفس الوقت بالضبط الذي قال فيه الأوروبيون إن أفارقة جنوب الصحراء الكبرى يفتقرون إلى القدرة الفكرية على القراءة أو الكتابة، كان هذا المكان، الذي تأسس تقريبا في نفس وقت تأسيس جامعة باريس وجامعة بولونيا ... وقبل تأسيس جامعتي المحبوبة هارفرد بثلاثمائة وإحدى عشرة سنة كاملة ... يزخر بخمسة وعشرين ألف طالب وعالم اجتمعوا من كل أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا وأتوا إلى هنا لأن هذا المكان كان مركز التعلم العظيم في أفريقيا.
قال جيتس إن هذا كان «كافيا لجعلي أبكي.»
على الرغم من أن سرد جيتس عن تمبكتو كرر العديد من الأخطاء التي ارتكبها المؤرخون الاستعماريون، فقد كان من شأنه أن يغير ديناميكيات تجارة المخطوطات تغييرا جذريا. فها هو رجل أسود، «أمريكي» أسود، أستاذ بارز له كرسي في جامعة هارفرد، يذرف الدمع بسبب اكتشافه الشخصي لدليل مكتوب على الماضي الفكري لأفريقيا، الدليل على مهزلة قرون من العنصرية الأوروبية. لماذا لم يكن يعرف بالأمر؟ ولماذا لم يكن العالم يعرف؟ لدى عودته إلى الولايات المتحدة، بدأ جيتس في حشد الدعم المالي لحيدرة، والذي أتى في صورة منحة من مؤسسة أندرو دبليو ميلون. وبعد سنوات من محاولة التمبكتي لتجميع القليل من التمويل من أجل مشروعه المتمثل في المكتبات الخاصة، بدأت الأموال أخيرا تتدفق إليه. وسرعان ما أصبحت المدينة الفقيرة بؤرة ازدهار في مجال المخطوطات: حفزت مبالغ التمويل المتزايدة - التي تبرعت بها منظمة اليونسكو، ومؤسسة فورد، والنرويج، ولوكسمبورج، والولايات المتحدة - الناس على جلب المزيد من الوثائق من القرى المحيطة بتمبكتو، بينما بدأت مدن مالية أخرى، مثل جني وسيجو، في مشاريع المخطوطات الخاصة بها. رحب مالكو المخطوطات بالأموال، ولكن كان للازدهار جانب أكثر قتامة: أصبحت المكتبات تقيم، ليس بجودة كتبها فحسب، وإنما أيضا بأعدادها؛ أخذت الأرقام المزعومة تتصاعد أعلى فأعلى، وتضخمت المجموعات عن طريق الشراء العشوائي. ووجدت المكتبات الخاصة والعامة نفسها يتبارى بعضها مع بعض في إطار تدافعها من أجل الحصول على التمويل. أفصح طلب منحة منظمة سافاما، المكتوب في العقد الأول من القرن الحالي، عن ذلك: كان مركز أحمد بابا قد تمكن من جمع عشرين ألف مخطوطة أو نحو ذلك، لكن هذا كان «صغيرا للغاية مقارنة بمئات الآلاف (ربما حتى الملايين) من المخطوطات المملوكة لأفراد.»
لم يكن جيتس هو الرجل الوحيد الذي كان لديه طموحات سياسية فيما يتعلق بالمخطوطات. في نوفمبر من عام 2001، جاء الرئيس الجنوب أفريقي تابو إيمبيكي إلى تمبكتو بصحبة نظيره المالي، الرئيس ألفا عمر كوناري، وهو في الأصل مؤرخ. أطلع إيمبيكي على مساحة العرض الضيقة في مبنى أحمد بابا في شارع شيمنيتز، والتي كانت تحتوي فقط على خزانتين زجاجيتين صغيرتين، قبل أن يصطحب إلى ورشة ترميم مليئة بمعدات صدئة عفا عليها الزمن. وبينما كان الرئيس الجنوب أفريقي يستمع إلى شرح عن تاريخ محتويات المخطوطات، أدرك الفرصة التي أمامه.
صفحه نامشخص