-خرج رسول الله ﷺ وهم يرصدونه فأخذ حفنة تراب وجعل ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو قوله تعالى يَس إلى قوله ﴿فَأَغْشَيُنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرونَ﴾ ثم انصرف فلم يروه. فلما أفاقوا من غشيتهم جعلوا يطلعون فيرون عليًا نائما وعليه برد رسول الله ﷺ فيقولون إن محمدًا لنائم. فأقاموا بالباب يحرسون عليًا يحسبونه النبي ﷺ حتى يقوم في الصباح. فلما أصبحوا قام على عن الفراش فقالوا له أين صاحبك؟ قال لاأدري فعلموا أن النبي ﷺ قد نجا. فأما عليّ فأقام بمكة حتى يؤدى ودائع النبي ﷺ وقصد النبي ﷺ دار أبي بكررضي الله عنه وأعلمه بأن الله قد أذن له بالهجرة فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله. قال الصحبة، فبكى أبو بكر ﵁ فرحًا واستأجر عبد الله بن أريقط وكان مشركا ليدل بهما إلى المدينة وينكب عن الطريق العظمى. ولم يعلم بخروج رسول الله ﷺ غير أبي بكر وعليّ وآل أبي بكر وكان خروجه ﷺ من مكة يوم الخميس أول يوم من ربيع الأول وقدم المدينة لأثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وذلك يوم الأثنين الظهر لثلاث وخمسين سنة من مولده ٢٨ يونيه (٦٢٢ م) وروى أن النبي ﷺ قال حين خروجه من مكة إلى المدينة "اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليَّ فاسكني أحب البلاد اليك" رواه الحاكم في المستدرك. وكان مدة مقامه بمكة بعد البعثة ثلاث عشر سنة. ثم أتيا الغار الذي بجبل ثور على ثلاثة أميال من جنوب غربي مكة، وأمره أبو بكر ابنه عبد الله أن يستمع لهما بمكة ثم يأتيهما ليلا وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يأتيهما بها ليلا ليأخذا حاجتهما من لبنها وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بطعامهما. فأقاما في الغار ثلاثا. ولما فقدته قريش اتبعوه ومعهم القائف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار وقال هنا انقطع الأثر (١) وإذا بنسيج العنكبوت على فم الغار وقد عششت على بابه حمامتان. فقالت قريش ما وراء هذا شيء. وجعلوا مائة ناقة لمن يرده عليهم. فلما مضت الثلاث وسكن الناس أتاهما دليلهما ببعيرين فأخذ أحدهما رسول الله ﷺ من أبي بكر لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه ﵊ في استكمال فضل الهجرة إلى الله تعالى. ثم ركبا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة يخدمهما في الطريق وأتتهما أسماء بسفرة لها وشقت نطاقها وربطت السفرة فسميت ذات النطاقين وحمل أبو بكر جميع ماله وكان نحو ستة آلاف درهم وبينما هما في الطريق مجردين منكل سلاح بصر بهما سراقة بن مالك بن جعشم فاتبعهما ليردها فدعا عليه رسول الله ﷺ فساخت قوائم فرسه في أرض صلبة. فقال أدعي لي يا محمدليخلصني الله أن أراد عنك الطلب فدعا له فخلص. فدعا عليه ثانية فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى. فقال يا محمد قد علمت أن هذا من دعائك علي فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ولك عهد الله أن أرد عنك الطلب. فدعا له فخلص وعاهدهم أن لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم وأن يكتم عنهم ثلاث ليال. فرجع سراقة ورد كل من لقيه بأن يقول ما ها هنا.
وفي صحيح البخاري عن عائشة ﵂ قالت:
فبينما نحن يوما جلوسا في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة (٢) قال قائل (٣) لأبي بكر هذا رسول الله ﷺ متقنعا (٤) في ساهة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ماجاء في هذة الساعة الأمر. قالت عائشة فجاء رسول الله ﷺ فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي ﷺ لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك (٥) بأبى أنت يا رسول الله. قال فأني قد أذن لي في الخروج (٦) . فقال أبو بكر الصحبة بابي أنت يا رسول الله. قال رسول الله ﷺ نعم. قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحتي هاتين. قال رسول الله ﷺ بالثمن (٧) قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز (٨) وصنعنا لهم سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قكعة من نطاقها (٩) فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت بذات النطاقين وأسماء بنت أبي بكر الصديق كانت أسن من عائشة وهي أختها لأبيها وكان عبد الله بن أبي بكر أخا أسماء شقيقها قالت ثم لحق رسول الله ﷺ وأو بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف (١٠) لقن (١١) فيدلج (١٢) من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت (١٣) فلا يسمع أمرًا يكتادان به (١٤) إلا وعاه (١٥) حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحه (١٦) من غنم (١٧) فيريحا عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما (١٨) حتى ينعق بها (١٩) عامر بن فهيرة يغلس (٢٠) . يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله ﷺ وأبة بكر رجلًا من بني الديل (٢١) وهومن بني عبد إبن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس حلفا فيآل العاص بن وائل السهمي (٢٢) وهوعلى دين كفار قريش فأمناه فدعا إليه راحتهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحليتهما صبح ثلاث ليال وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل (٢٣) قال سراقة بن جعشم جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله ﷺ وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهمحتى قام علينا ونحن جلوس فقاليا سراقة إني آنفا أسودة (٢٤) بالساحل أراها (٢٥) محمدًا وأصحابه. قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت له أنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت فيةالمجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة (٢٦) فتحسبها على وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه (٢٧) الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتّي (٢٨) فأستخرجت منها الازلام (٢٩) فاستقسمت بها أضرهم أن لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي تقرب بي وعصيت الازلام حتى إذا سمعت قراءة رسول الله ﷺ وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت (٣٠) يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما أستوت قائمة إذ لأثر يديها عثان (٣١) ساطع في السماء مثل الدخان. فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله ﷺ فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآنى (٣٢) ولم يسألانها إلا أن قالا أخف عنا فسألته إن يكتب لي الكتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم (٣٣) ثم مضى رسول الله ﷺ". ومما وقع لهما في الطريق أنهما لقيا طلحة في الطريق وكان راجعا من تجارة فحياهما وكساهما ثيابًا بيضًا وقيل لقيهما الزبير كذلك.