محمد علی جناح
القائد الأعظم محمد علي جناح
ژانرها
وتداول القوم عن جناح أنه الزعيم «الأرستقراط»، تداولها الإنجليز كما تداولها الهنود، وسلمها الأصدقاء كما سلمها الخصوم، ونظن أنه هو لا ينفي من هذه الشهرة أنه رجل محافظ على سمعته معتكف لا يستكثر من العشراء في جميع علاقاته، فمما يزكيه مع هذا أن العناية بالطبقة الفقيرة كان على رأس القائمة في جميع برامجه، وأنه لم يكن يفعل ذلك جريا وراء الجماهير؛ فإنه من المفروغ منه أن الجري وراءها مظنة لم تخامر نفوس القادحين فيه فضلا عن مادحيه، وقد جاءته الأصوات إلى عقر داره وألح عليه علية القوم أن يتولى الرياسة مدى الحياة، بل هتفوا له باسم الشاهنشاه فاعتذر وقال لمن عرضوا عليه رياسة الدولة طول حياته: «دعوني أزوركم من حين إلى حين فأسمع منكم وتسمعون مني، وأسألكم أصواتكم وتسألونني ما في نفوسكم ...»
وأصدق ما نشبه به جناحا في مناقبه وخصائصه التي أجملناها أنه صاحب «شخصية» غير مطلقة، ولكنها غير موصدة: شخصية كالخزانة التي لا تعرض نفائسها في واجهة بلورية، ولكنها لا تحفها بالشوك أو تحيطها بالحراس والأرصاد، وتنفق مما تحتويه إنفاق الكريم السخي الذي لا يمتن على أحد بعطائه، ولكنه لا يقبل فيه السوم والمساومة، وإليه المرجع حين يعطى وحين يكف عن العطاء.
حياته الخاصة
حياته الخاصة
كتب الشاعر الألماني هنريك هايني عن فيلسوف الألمان الكبير «عما نويل كانت» فقال: إن ترجمة حياته الخاصة من أعسر الأمور، لأسباب كثيرة، أولها أنه لم تكن له حياة خاصة!
ويستطرد الشاعر الظريف فيقول: إن الفيلسوف كان يأكل وينام ويستيقظ ويتمشى للرياضة ويجلس للتدريس بالساعة، وإنه كان إذا ظهر في رواق الزيزفون يتمشى كعادته كل أصيل نظر إليه الناس وأخرجوا ساعاتهم فضبطوها!
مثل هذا الكلام يقال عن القائد الأعظم ، ولكن لعلة غير العلة التي تعلل بها الشاعر الساخر للفيلسوف الحكيم.
فمن أعسر الأمور كتابة حياة خاصة للقائد الأعظم، ولكن لعلة غير هذه العلة، وتلك هي علم الجميع بحياته الخاصة، فليست له حياة خاصة بين الجدران أو وراء الحجب يعلم بها أناس ويجهلها أناس: حياته الخاصة كانت هي حياته التي تخصه ويعلم بها جميع عارفيه، ولم يكن لها ظاهر متكلف ولا سر محجوب.
كان زعيم أمة قوامها الدين، ولكنه لم يلبس مسوح القديسين أو يرائي أحدا بالنسك والعبادة: كان إذا شهد اجتماعا وحضرت الصلاة أم الحاضرين في الصلاة الجامعة، ولم يشاهد قط في محفل على صورة تخالف ما ينبغي للرجل المسلم الذي يقود في معترك السياسة أمة إسلامية، ولكنه لم يشاهد كذلك متخذا من التدين مراسم للظهور والمراءاة في حدود ما يليق بالزعيم، ولا التزام لحدود غير تلك الحدود.
ولم تقيده الزعامة بقيد تأباه السماحة وسعة الصدر وآداب الاجتماع، فكان من زواره مسلمون وغير مسلمين، وكان يزور من يزوره ويرى في بيوت الطوائف الأخرى كما يرى أناس من أبناء الطوائف الأخرى في بيته، وزياراته أو زياراتهم في جميع الأحوال ليست بالشاغل الذي يستغرق فراغ وقته، كما يتفق لرجل السياسة الذي تملأ تكاليف المجتمع حيزا كبيرا من وقته، بل هي زيارات الرجل الذي لا يريد أن ينقطع ما بينه وبين الناس، ولا يريد كذلك أن تقطعه تكاليف المجتمع عن أمانته الكبرى: أمانة السهر على تكوين أمة وحكومة.
صفحه نامشخص