وأقبل جساس ينزع الرمح من ظهره وهو يخضخضه في قسوة ويقول له: «ذق الموت أيها الطاغية.»
وفهق كليب فهقات ألم ثم غشي عليه، وكان يفيق من غشيته إفاقة قصيرة، فيحاول أن يتكلم فلا يستطيع إلا تمتمة خافتة لا تسمع ألفاظها، ثم اعتراه عطش شديد فقال وهو لا يدري من يخاطب: «أغثني بشربة ماء.»
ولكن جساسا نظر إليه ثم ضحك ضحكة مخيفة وقال في صرخة جشاء: «لا ابتل لك ريق أيها الطاغية!» ووقف يتأمل نزعه في سرور.
وكان عمرو بن الحارث في تلك الأثناء واقفا وراء جساس وهو يرتعد، وقد علته صفرة تشبه صفرة الموت، فلما سكن كليب أشار إليه جساس أن يتقدم، فأتى إليه مترددا، فطلب منه أن يساعده على تغطية القتيل بالحجارة حتى لا تأكله السباع.
ولما أتما وضع الحجارة عليه ركبا عائدين نحو مضارب الخيام، ولكن عمرو بن الحارث لم يجرؤ على أن يواجه قومه بخبر الجريمة، فركب فرسه لا يلوي على شيء حتى دخل بيته، فقبع فيه وهو يتفصد عرقا ويهذي هذيان المحموم، وركض جساس فرسه نحو خيمة أبيه مرة ليحمل إليه النبأ المشئوم، ولكنه لم يملك نفسه في ركوبه فبدت ساقاه عاريتين وهو لا يتنبه إليهما مما اعتراه من الذهول.
وكان الشيخ مرة جالسا في فناء بيته مع بعض بنيه وحفدته وبعض إخوته وأبناء عمومته، فرأى جساسا يقبل على فرسه راكضا عاري الركبتين، فالتفت إلى من حوله وقال في فزع: «ما رأيت جساسا يركب كما أراه اليوم.»
ثم صاح بابنه وقد صار على مسمع منه: «ما بك يا جساس؟» فقال جساس في صرخة مفزعة: «لقد طعنته طعنة يجتمع لها بنو وائل غدا رقصا.»
فقال مرة وقد قام مذعورا: «ومن قتلت ويلك؟»
فقال جساس في وحشية: «قتلت كليبا؟»
ثم رفع رمحه فوق رأسه وجعل يلوح به في الفضاء، وقال في ضحكة جنونية: «وأدركت ثأر البسوس.»
صفحه نامشخص