المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين رب يسر
قال الشيخ الإمام الزاهد الموفق أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أباذي أسعده الله في الدارين: الحمد لله وفقنا لشكره وهدانا لذكره وصلواته على محمد.
1 / 13
خير خلقه وعلى آله وصحبه هذا كتاب مهذب أذكر فيه - إن شاء الله - أصول مذهب الشافعي ﵀ بأدلتها وما تفرع على أصوله من المسائل المشكلة بعللها وإلى الله ﷿ أرغب وإياه أسأل أن يوفقني فيه لمرضاته وأن ينفعني به في الدنيا والآخرة
1 / 14
إنه قريب مجيب وعلى ما يشاء قدير وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبي ونعم الوكيل.
كتاب الطهارة باب ما تجوز به الطهارة من المياه وما لا تجوز يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من
كتاب الطهارة باب ما تجوز به الطهارة من المياه وما لا تجوز يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من
1 / 15
الأرض فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد والأصل فيه قوله ﷿ ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [لأنفال:١١] وما نبع من الأرض ماء البحار وماء الأنهار وماء الأبار والأصل فيه قوله ﷺ في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته١" وروي أن النبي توضأ من بئر بضاعة".
فصل: ولا يكره من ذلك إلا ما قصد إلى تشميسه فإنه يكره الوضوء به ومن أصحابنا من قال: لا يكره ما تشمس بنفسه في البرك والأنهار والمذهب الأول والدليل عليه ما روي أن النبي ﷺ قال لعائشة ﵂ وقد سخنت ماء
_________
١ رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٤١. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٥٢. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤٦. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٣٨. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ١٢. الدارمي في كتاب الوضوء باب ٥٣. أحمد في مسنده "٢/٢٣٧، ٣٦١، ٣٧٨".
1 / 16
الشمس "يا حميراء لا تفعلي هذا فإنه يورث البرص" ويخالف ماء البرك والأنهار لأن ذلك لا يمكن حفظه من الشمس فلم يتعلق به المنع فإن خالف وتوضأ به صح الوضوء لأن المنع منه لخوف الضرر فلم يمنع صحة الوضوء كما لو توضأ بما يخاف من حره أو برده.
فصل: وما سوى الماء المطلق من المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من الثمر أو الشجر لا يجوز رفع الحدث ولا إزالة النجس به لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء:٤٣] فأوجب التيمم على من لم يجد الماء فدل على أنه لا يجوز الوضوء بغيره ولقوله ﷺ لأسماء بنت أبي بكر الصديق ﵂ في دم الحيض يصيب الثوب "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء" فأوجب الغسل بالماء فدل على أنه لا يجوز بغيره.
فصل: فإن كمل الماء المطلق بمائع بأن احتاج في طهارته إلى خمسة أرطال ومعه أربعة أرطال فكمله بمائع لم يتغير به كماء ورد انقطعت رائحته ففيه وجهان قال أبو علي الطبري: لا يجوز الوضوء به لأنه كمل الوضوء بالماء والمائع فأشبه إذا غسل بعض أعضائه بالماء وبعضها بالمائع ومن أصحابنا من قال: إنه يجوز لأن المانع استهلك في الماء فصار كما لو طرح ذلك في ماء يكفيه.
باب ما يفسد الماء من الطاهرات وما لا يفسده إذا اختلط بالماء شيء طاهر ولم يتغير به لم يمنع الطهارة به لأن الماء باقي على إطلاقه وإن لم يتغير به لمرافقته الماء في الطعم واللون والرائحة كماء ورد انقطعت رائحته ففيه وجهان: أحدهما: عن كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به لبقاء اسم الماء المطلق وإن كانت الغلبة للمخالط لم يجز لزوال إطلاق اسم الماء والثاني: إن كان
باب ما يفسد الماء من الطاهرات وما لا يفسده إذا اختلط بالماء شيء طاهر ولم يتغير به لم يمنع الطهارة به لأن الماء باقي على إطلاقه وإن لم يتغير به لمرافقته الماء في الطعم واللون والرائحة كماء ورد انقطعت رائحته ففيه وجهان: أحدهما: عن كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به لبقاء اسم الماء المطلق وإن كانت الغلبة للمخالط لم يجز لزوال إطلاق اسم الماء والثاني: إن كان
1 / 17
ذلك قدرًا لو كان مخالفًا للماء في صفاته لم يغيره لم يمنع وإن كان قدرًا لو كان مخالفًا له غيره منع لأن الماء لما لم يغير بنفسه اعتبر بما يغيره كما نقول في الجناية التي ليس لها أرش مقدر لما لم يمكن اعتبارها بنفسها اعتبرت بالجناية على العبيد وإن تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نظرت فإن كان مما يمكن حفظ الماء منه كالطحلب وما يجري عليه الماء من الملح والنورة وغيرهما جاز الوضوء به لأنه لا يمكن صون الماء عنه فعفي عنه كما عفي عن النجاسة اليسيرة والعمل القليل في الصلاة وإن كان مما يمكن حفظ الماء منه نظرت فإن مان ملحًا انعقد من الماء لم يمنع الطهارة به لأنه كان ماء في الأصل فهو كالثلج إذا ذاب فيه وإن كان ترابًا طرح فيه لم يؤثر لأنه يوافق الماء في التطهير فهو كما لو طرح فيه ماء آخر فتغير به وإن كان شيئًا سوى ذلك كالزعفران والتمر والدقيق والملح الجبلي والطحلب إذا أخذ ودق وطرح فيه وغير ذلك مما يستغني الماء عنه لم يجز الوضوء به لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء بمخالطة ما ليس بمطهر والماء مستغن عنه فلم يجز الوضوء به كماء اللحم وماء الباقلاء وإن وقع فيه ما لا يختلط به فتغيرت به رائحته كالدهن الطيب والعود ففيه قولان: قال في البويطي: لا يجوز الوضوء كما لا يجوز بما تغير بالزعفران وروى المزني أنه يجوز الوضوء به لأن تغيره عن مجاوره فهو كما لو تغير بجيفة بقربه وإن وقع فيه قليل كافور فتغير به ريحه ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز الوضوء به كما لو تغير بالزعفران والثاني يجوز لأنه لا يختلط به وإنما تغير من جهة المجاورة.
باب ما يفسد الماء من النجاسة وما لا يفسده إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو إما أن يكون راكدًا أو جاريًا أو بعضه راكدًا وبعضه جاريًا فإن كان راكدًا نظرت في النجاسة فإن كانت نجاسة يدركها الطرف من
باب ما يفسد الماء من النجاسة وما لا يفسده إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو إما أن يكون راكدًا أو جاريًا أو بعضه راكدًا وبعضه جاريًا فإن كان راكدًا نظرت في النجاسة فإن كانت نجاسة يدركها الطرف من
1 / 18
خمر أو بول أو ميتة لها نفس سائلة نظرت فإن تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة فهو نجس لقوله ﷺ "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه١" فنص على الطعم والريح وقسنا اللون عليهما لأنه في معناهما وإن تغير بعضه دون بعض نجس الجميع لأنه ماء واحد فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض وإن لم يتغير نظرت فإن كان الماء دون القلتين فهو نجس وإن كان قلتين فصاعدًا فهو طاهر لقوله ﷺ "إذا كان الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث٢" ولأن القليل يمكن حفظه من النجاسة في الظروف والكثير لا يمكن حفظه من النجاسة فجعل القلتين حدًا فاصلًا بينهما والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي لأنه روي في الخبر "بقلال هجر" قال ابن
_________
١رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٣٤. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٤٩. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٧٦. أحمد في مسنده "١/٢٣٥".
٢ رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٣٣. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٥٠. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤٣. الدارمي في كتاب الوضوء باب ٥٥. أحمد في مسنده "٣/ ١٢، ٣٨".
1 / 19
جريج: رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئًا فجعل الشافعي ﵀ الشيء نصفًا احتياطًا وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصار الجميع خمسمائة رطل وهل ذلك تحديد أو تقريب فيه وجهان: أحدهما أنه تقريب فإن نقص منه رطل أو رطلان لم يؤثر لأن الشيء يستعمل فيما دون النصف في المادة والثاني أنه تحديد فلو نقص منه ما نقص نجس لأنه لما وجب أن يجعل الشيء نصفًا احتياطًا وجب استيفاؤه كما أنه لما وجب غسل شيء من الرأس احتياطًا لغسل الوجه صار ذلك فرضًا فإن كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف ففيه ثلاث طرق: من أصحابنا من قال لا حكم لها لأنها لا يمكن الاحتراز منها فهي كغبار السرجين ومنهم من قال حكمها حكم سائر النجاسات لأنها نجاسة متيقنة فهي كالنجاسة التي يدركها الطرف ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما لا حكم لها والثاني لها حكم وجهها ما ذكرناه وإن كانت النجاسة ميتة لا نفس لها سائلة كالذباب والزنبور وما أشبههما ففيه قولان: أحدهما أنها كغيره من الميتات لأنه حيوان لا يؤكل بعد موته لا لحرمته فهو كالحيوان الذي له نفس سائلة والثاني أنه لا يفسد الماء لما روي أن النبي ﷺ قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه داء والآخر دواء١" وقد يكون الطعام حارًا فيموت بالمقل فيه فلو كان يفسده لما أمر بمقلة ليكون شفاء لنا إذا أكلناه فإن كثر من ذلك ما غير
_________
١ رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ١٧. أبو داود في كتاب الأطعمة باب ٤٨. النسائي في كتاب الفرع باب ١١. ابن ماجه في كتاب الطب باب ٣١. الدارمي في كتاب الأطعمة باب ١٢. أحمد في مسنده "٢/٣٢٩".
1 / 20
الماء فيه وجهان: أحدهما أنه ينجس لأنه ماء تغير بالنجاسة والثاني لا ينجس لأن ما لا ينجس الماء إذا وقع فيه وهو دون القلتين لم ينجسه وإن تغير به كالسمك والجراد.
فصل: إذا أراد تطهير الماء النجس نظرت فإن كانت نجاسته بالتغير وهو أكثر من قلتين طهر بأن يزول التغير بنفسه أو بأن يضاف إليه ماء آخر أو بأن يؤخذ بعضه لأن النجاسة بالتغير وقد زال وإن طرح فيه تراب أو جص فزال التغير ففيه قولان: قال في الأم: لا يطهر كما لو يطهر إذا طرح فيه كافور أو مسك فزالت رائحة النجاسة وقال في حرملة يطهر وهو الأصح لأن التغير قد زال فصار كما لو زال بنفسه أو بماء آخر ويفارق الكافور والمسك لأن هناك يجوز أن تكون الرائحة باقية وإنما لم تطهر لغلبة رائحة الكافور والمسك وإن كان قلتين طهر بجميع ما ذكرناه إلا بأخذ بعضه فإنه لا يطهر لأنه ينقص عن قلتين وفيه نجاسة وإن كانت نجاسته بالقلة بأن يكون دون القلتين طهر بأن يضاف إليه ماء آخر حتى يبلغ قلتين ويطهر بالمكاثرة من غير أن يبلغ قلتين كالأرض النجسة إذا طرح عليها ماء حتى غمر النجاسة ومن أصحابنا من قال لا يطهر لأنه دون القلتين وفيه نجاسة والأول أصح لأن الماء إنما ينجس إذا وردت عليه النجاسة وههنا ورد الماء على النجاسة فلم ينجس إذا لو نجس لم يطهر الثوب النجس إذا صب عليه الماء.
فصل: وإذا أراد الطهارة بالماء الذي وقعت فيه نجاسة وحكم بطهارته نظرت فإن كان دون القلتين وطهر بالمكاثرة بالماء لم تجز الطهارة به لأنه وإن كان طاهرًا فهو غير مطهر لأن الغلبة للماء الذي غمره وهو ماء أزيل به النجاسة فلم يصلح للطهارة وإن كان أكثر من قلتين نظرت فإن كانت النجاسة جامدة فالمذهب أنه تجوز الطهارة منه لأنه لا حكم للنجاسة القائمة فكان وجودهما كعدمها وقال أبو إسحاق وأبو العباس بن القاص: لا تجوز حتى يكون بينه وبين النجاسة قلتان فإن كان بينه وبين النجاسة أقل من قلتين لم يجز لأنه لا حاجة به إلى استعمال ماء فيه نجاسة قائمة وإن كان الماء قلتين وفيه نجاسة قائمة ففيه وجهان قال أبو إسحاق: لا تجوز الطهارة به لأنه ماء واحد فإذا كان ما يبقى بعد ما غرف منه نجسًا وجب أن يكون الذي غرفه نجسًا والمذهب أنه يجوز لأن ما يغرف منه ينفصل منه قبل أن يحكم بنجاسته فبقي على الطهارة وإن كانت
1 / 21
النجاسة ذائبة جازت الطهارة به ومن أصحابنا من قال لا يتطهر بالجميع بل يبقى منه قدر النجاسة كما قال الشافعي ﵀ فيمن حلف لا يأكل تمرة فاختلطت بتمر كثير أنه ياكل الجميع إلا تمرة وهذا لا يصح لأن النجاسة لا تتميز بل تختلط بالجميع فلو وجب ترك بعضه لوجب ترك جميعه بخلاف التمرة.
فصل: فإن كان الماء جاريًا وفيه نجاسة جارية كالميتة والجرية المتغيرة فالماء الذي قبلها طاهر لأنه لم يصل إلى النجاسة فهو كالماء الذي يصب على النجاسة من إبريق والذي بعدها طاهر أيضًا لأنه لم تصل إليه النجاسة وأما ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فإن كان قلتين ولم يتغير فهو طاهر وإن كان دونهما فهو نجس كالراكد وقال أبو العباس بن القاص فيه قول آخر قاله في القديم أنه لا ينجس الماء الجاري إلا لتغير لأنه ماء ورد على النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء المزال به النجاسة وإن كانت النجاسة واقفة والماء يجري عليها فإن ما قبلها وما بعدها طاهر وما يجري عليها إن كان قلتين فهو طاهر وإن كان دونهما فهو نجس وكذلك كل ما يجري عليها بعدها فهو نجس ولا يطهر شيء من ذلك حتى يركد في موضع ويبلغ قلتين وقال أبو إسحاق وأبو العباس بن القاص والقاضي أبو حامد: ما لم تصل إلى الجيفة فهو طاهر والماء الذي بعد الجيفة يجوز أن يتوضأ منه إذا كان بينه وبين الجيفة قلتان والأول أصح لأن لكل جرية حكم نفسها فلا يعتبر فيه القلتان.
فصل: وإن كان بعضه جاريًا وبعضه راكدًا بأن يكون في النهر موضع منخفض يركد فيه الماء والماء يجري بجنبه والراكد زائد عن سمت الجري فوقع في الراكد نجاسة وهو دون القلتين فإن كان مع الجرية التي يحاذيها يبلغ قلتين فهو طاهر وإن لم يبلغ قلتين فهو نجس وتنجس كل جرية بجنبها إلى أن يجتمع في موضع قلتان فيطهر.
باب ما يفسد الماء من الاستعمال وما لا يفسده الماء المستعمل ضربان: مستعمل في طهارة الحدث ومستعمل في طهارة النجس فأما المستعمل في طهارة الحدث فينظر فيه فإن استعمل في رفع حدث فهو طاهر لأنه
باب ما يفسد الماء من الاستعمال وما لا يفسده الماء المستعمل ضربان: مستعمل في طهارة الحدث ومستعمل في طهارة النجس فأما المستعمل في طهارة الحدث فينظر فيه فإن استعمل في رفع حدث فهو طاهر لأنه
1 / 22
ماء طاهر لاقى محلًا طاهرًا فكان طاهرًا كما لو غسل به ثوب طاهر وهل تجوز به الطهارة أم لا؟ فيه طريقان: من أصحابنا من قال: فيه قولان المنصوص أنه لا يجوز لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء فصار كما لو تغير بالزعفران وروي عنه أنه قال: يجوز الوضوء به لأنه استعمال لم يغير صفة الماء فلم يمنع الوضوء به كما لو غسل به ثوب طاهر ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية فإن قلنا لا يجوز الوضوء به فهل تجوز إزالة النجاسة به أم لا؟ فيه وجهان: قال أبو القاسم الأنماطي وأبو علي بن خيران رحمة الله عليهما: يجوز لأن للماء حكمين رفع الحدث وإزالة النجس فإذا رفع الحدث بقي عليه إزالة النجس والمذهب أنه لا يجوز لأنه ماء لا يرفع الحدث فلم يزل النجس كالماء النجس فإن جمع الماء المستعمل حتى صار قلتين ففيه وجهان: أحدهما: أنه يزول حكم النجاسة ولأنه لو توضأ فيه أو اغتسل وهو قلتان لم يثبت له حكم الاستعمال فإذا بلغ قلتين وجب أن يزول عنه حكم الاستعمال ومن أصحابنا من قال: لا يزول لأن المنع منه لكونه مستعملًا وهذا لا يزول بالكثرة وإن استعمل في نقل الطهارة كتجديد الوضوء والدفعة الثانية والثالثة ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا تجوز الطهارة لأنه مستعمل في طهارة فهو كالمستعمل في رفع الحدث والثاني: أنه يجوز لأنه ماء لم يرفع به حدث ولا نجس فهو كما لو غسل به ثوب طاهر.
فصل: وأما المستعمل في النجس فينظر فيه فإن انفصل من المحل متغيرًا فهو نجس لقوله ﷺ "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه١" وإن كان غير متغير ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه طاهر وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق لأنه ماء لا يمكن حفظه من النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة
والثاني: أنه ينجس وهو قول بي القاسم الأنماطي لأنه ماء قليل لا في نجاسة فأشبه ما إذا وقعت فيه نجاسة
والثالث: أنه إن انفصل والمحل طاهر فهو طاهر وإن انفصل والمحل نجس فهو نجس وهو قول أبي العباس ابن القاص لأن المنفصل من جملة الباقي في المحل فكان حكمه في النجاسة والطهارة حكمه فإذا قلنا إنه طاهر فهل يجوز الوضوء به؟ فيه وجهان قال أبو علي بن خيران يجوز وقال سائر أصحابنا لا يجوز وقد مضى توجيههما.
_________
١ رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٧٦.
باب الشك في نجاسة الماء والتحري فيه إذا تيقن طهارة الماء وشك في نجاسته توضأ به لأن الأصل بقاؤه على الطهارة
باب الشك في نجاسة الماء والتحري فيه إذا تيقن طهارة الماء وشك في نجاسته توضأ به لأن الأصل بقاؤه على الطهارة
1 / 23
وإن تيقن نجاسته وشك في طهارته لم يتوضأ به لأن الأصل بقاؤه على النجاسة وإن لم يتيقن طهارته ولا نجاسته توضأ به لأن الأصل طهارته فإن وجده متغيرًا ولم يعلم بأي شيء تغير توضأ به لأنه يجوز ان يكون تغيره بطول المكث وإن رأى حيوانًا يبول في ماء ثم وجده متغيرًا وجوز أن يكون تغيره بالبول لم يتوضأ به لأن الظاهر أن تغيره من البول وإن رأى هرة أكلت نجاسة ثم وردت على ماء قليل فشربت منه ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها تنجسه لأنا تيقنا نجاسة فمها
والثاني: أنها إن غابت ثم رجعت لم تنجسه لأنه يجوز أن تكون قد وردت على ماء فطهر فمها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك
والثالث: لا ينجس بكل حال لأنه لا يمكن الاحتراز منها فعفى عنها فلهذا قال النبي ﷺ "إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات١".
فصل: وإن ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس لجواز أن يكون قد رأى سبعًا ولغ فيع فاعتقد انه نجس بذلك فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبة ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد لأن أخبارهم مقبولة ويقبل خبر العمى فيه لأن له طريقًا إلى العلم به بالحس والخبر ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر لأن أخبارهم لا تقبل وإن كان معه إنا آن فأخبره رجل ان الكلب ولغ في أحدهما قبل قوله ولم يجتهد لأن الخبر مقدم على الاجتهاد كما
_________
١ رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٣٨. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٦٩. النسائي في كتاب الطهارة باب ٥٣. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٣٢. الدارمي في كتاب الوضوء باب ٥٨. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ١٣. أحمد في مسنده "٥/٢٩٦".
1 / 24
تقول في القبلة وإن أخبره رجل أنه ولغ في هذا دون ذاك وقال آخر: بل ولغ في ذاك دون هذا حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما بأن يكون قد ولغ فيهما في وقلتين وإن قال أحدهما: ولغ في هذا دون ذاك في وقت معين وقال الآخر بل ولغ في ذلك دون هذا في ذلك الوقت بعينه فهما كالبيتين إذا تعارضتا فإن قلنا إنهما يسقطان سقط خبرهما وجازت الطهارة بهما لأنه لم تثبت نجاسة واحد منهما وإن قلنا إنهما لا يسقطان أراقهما أو صب أحدهما في الآخر ثم تيمم.
فصل: وإن اشتبه عليه ماآن طاهر ونجس تحرى فيهما فإن غلب على ظنه طهارته منهما توضأ به لأنه سبب من أسباب الصلاة يمكن التوصل إليه بالاستدلال فجاز له الاجتهاد عند الاشتباه فيه كالقبلة فإن انقلب أحدهما قبل الاجتهاد ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يتحرى في الثاني لأنه قد ثبت جواز الاجتهاد فيه فلم يسقط بالانقلاب
والثاني: وهو الأصح أنه لا يجتهد لأن الاجتهاد يكون بين أمرين فإذا قلنا لا يجتهد فما الذي يصنع؟ فيه وجهان: قال أبو علي الطبري: يتوضأ به لأن الأصل فيه الطهارة فلا يزال اليقين بالشك وقال القاضي أبو حامد: يتيمم ولا يتحرى لأن حكم الأصل قد زال بالاشتباه بدليل أنه منع من استعماله من غير تحر فوجب أن يتيمم وإن اجتهد فيهما فلم يغلب على ظنه شيء أراقهما أو صب أحدهما في الآخر وتيمم فإن تيمم وصلى قبل الإراقة أو الصب أعاد الصلاة لأنه تيمم ومعه ماء طاهر بيقين وإن غلب على ظنه طهارة أحدهما توضأ به والمستحب أن يريق الآخر حتى لا يتغير اجتهاده بعد ذلك فإن تيقن أن الذي توضأ به كان نجسًا غسل ما أصابه منه وأعاد الصلاة لأنه تعين له يقين الخطأ فهو كالحاكم إذا أخطأ النص وإن لم يتيقن ولكن تغير اجتهاده فظن أن الذي توضأ به كان نجسًا قال أبو العباس: يتوضأ بالثاني كما لو صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده والمنصوص في حرملة أنه لا يتوضأ بالثاني لأنا لو قلنا إنه يتوضأ به ولم يغسل ما أصابه المال الأول من ثيابه وبدنه أمرناه أن يصلي وعلى بدنه نجاسة بيقين وهذا لا يجوز وإن قلنا إنه يغسل ما أصابه من الماء الأول نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا لا يجوز ويخالف القبلة فإن هناك لا يؤدي إلى الأمر بالصلاة إلى غير القبلة ولا إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد وإذا قلنا بقول أبي العباس توضأ بالثاني وصلى ولا إعادة عليه وإن قلنا بالمنصوص فإنه يتمم ويصلي وهل يعيد الصلاة؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يعيد لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله بالشرع فصار وجوده كعدمه كما لو تيمم ومعه ما يحتاج إليه للعطش
والثاني: يعيد لأنه تيمم ومعه ماء محكوم بطهارته
والثالث وهو قول أبي
1 / 25
الطيب بن سلمة: إن كان بقي من الأول بقية أعاد لأن معه ماء طاهرًا بيقين وإن لم يكن بقي معه شيء لم يعد لأنه ليس معه ماء طاهر بيقين وإن اشتبه عليه ماآن ومعه ماء ثالث يتيقن طهارته ففيه وجهان: أحدهما: لا يتحرى لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين فلا يؤدي يالاجتهاد كالمكي في القبلة والثاني: أنه يتحرى لأنه يجوز إسقاط الفرض بالطاهر في الظاهر مع القدرة على الطاهر بيقين ألا ترى أنه يجوز أن يترك ما نزل من السماء ويتيقن طهارته ويتوضأ بما يجوز نجاسته وإن اشتبه عليه ماء مطلق وماء مستعمل ففيه وجهان: أحدهما لا يتحرى لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين بأن يتوضأ بكل واحد منهما والثاني: أنه يتحرى لأنه يجوز أن يسقط الفرض بالطاهر مع القدرة على اليقين وإن اشتبه عليه ماء مطلق وماء ورد لم يتحر بل يتوضأ بكل واحد منهما وإن اشتبه عليه ماء ورد وبول انقطعت رائخته لم يتحر بل يريقهما ويتيمم لأن ماء الورد والبول لا أصل لهما في التطهير فيرد إلا الاجتهاد وإن اشتبه عليه طعام طاهر وطعام نجس تحرى فيهما لأن أصلهما على الإباحة فهما كالماءين وإن اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على أعمى ففيه قولان قال في حرملة: لا يتحرى لأن عليه أمارات تتعلق بالبصر فهو كالقبلة وقال في الأم: يتحرى لأن له طريقًا إلى إدراكه بالسمع والشم فيتحرى فيه كما يتحرى في وقت الصلاة فإذا قلنا يتحرى فلم يكن له دلالة على الأغلب عنده ففيه وجهان: من أصحابنا من قال: لا يقلد لأن من جاز له الاجتهاد في شيء لم يقلد فيه غيره كالبصير ومنهم من قال: يجوز أن يقلد وهو ظاهر قوله في الأم لأن أماراته تتعلق بالبصر وغيره فإذا لم تغلب على ظنه دل على أن أماراته تعلقت بالبصر فصار كالأعمى في القبلة وإن اشتبه ذلك على رجلين فأدى اجتهاد أحدهما إلى طهارة أحدهما واجتهاد الآخر إلى طهارة الآخر توضأ كل واحد منهما بما أداه إليه اجتهاده ولم يأتم أحدهما بالآخر لأنه يعتقد أن صلاة إمامه باطلة وإن كثرت الأواني وكثر المجتهدون فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى طهارة إناء وتوضأ به وتقدم أحدهم وصلى بالباقين الصبح وتقدم آخر وصلى بهم الظهر وتقدم آخر وصلى بهم العصر فكل من صلى خلف إمام يجوز أن يكون طاهرًا فصلاته خلفه صحيحة وكل من صلى خلف إمام يعتقد أنه نجس فصلاته خلفه باطلة وبالله التوفيق.
باب الآنية كل حيوان نجس بالموت طهر جلده بالدباغ وهو ما عدا الكلب والخنزير لقوله
باب الآنية كل حيوان نجس بالموت طهر جلده بالدباغ وهو ما عدا الكلب والخنزير لقوله
1 / 26
﵊ "أيما إهاب دبغ فقد طهر١" ولأن الدباغ يحفظ الصحة على الجلد ويصلحه للانتفاع به كالحياة ثم الحياة تدفع النجاسة عن الجلد فكذلك الدباغ وأما الكلب والخنزير فكذلك وما توالد منهما أو من أحدهما فلا يطهر جلدهما بالدباغ لأن الدباغ كالحياة ثم الحياة لا تدفع النجاسة عن الكلب والخنزير فكذلك الدباغ.
فصل: ويجوز الدباغ بكل ما ينشف فضول الجلد ويطيبه ويمنع من ورود الفساد عليه كالشب والقرظ وغير ذلك ما يعمل عمله لأن النبي ﷺ قال: "أليس في الماء والقرظ ما يطهرانه" فنص على القرظ لأنه يصلح الجلد ويطيبه فوجب أن يجوز بكل ما عمل عمله وهل يفتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يفتقر لأن طهارته تتعلق بالاستحالة وقد حصل ذلك فطهر كالخمر إذا استحالت خلا وقال أبو إسحاق: لا يطهر حتى يغسل بالماء لأن ما يدبغ به تنجس بملاقاة الجلد فإذا زالت نجاسة الجلد بقيت نجاسة ما يدبغ به فوجب أن يغسل حتى يطهر.
فصل: وإذا طهر الجلد بالدباغ جاز الانتفاع به لقوله ﷺ "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" وهل يجوز بيعه؟ فيه قولان: قال في القديم: لا يجوز لأنه حرم
_________
١ رواه مسلم في كتاب الحيض حديث ١٠٥. أبو داود في كتاب اللباس باب ٣٨. الترمذي في كتاب اللباس باب ٧. النسائي في كتاب الفرع باب ٤. الدارمي في كتاب الأضاحي باب ٢٠. الموطأ في كتاب الصيد حديث ١٧. أحمد في مسنده "١/٢١٩".
1 / 27
التصرف فيه بالموت ثم رخص بالانتفاع فيه فبقي ما سوى الانتفاع على التحريم وقال في الجديد: يجوز لأنه منع بيعه لنجاسته وقد زالت النجاسة فوجب أن يجوز البيع كالخمر إذا تخللت وهل يجوز أكله؟ ينظر فإن كان من حيوان يؤكل ففيه قولان: قال في القديم: لا يؤكل لقوله ﷺ "إنما حرم من الميتة أكلها١" وقال في الجديد: يؤكل لأنه جلد طاهر من حيوان مأكول فأشبه جلد المذكى وإن كان من حيوان لم يؤكل لم يحل أكله لأن الدباغ ليس بأقوى من الذكاة والذكاة لا تبيح ما لا يؤكل لحمه فلأن لا يبيحه الدباغ أولى وحكى شيخنا أبو حاتم القزويني عن القاضي أبي القاسم بن كنج أنه حكى وجهًا آخر أنه يحل لأن الدباغ عمل في تطهيره كما عمل في تطهير ما يؤكل فعمل في إباحته بخلاف الذكاة.
فصل: كل حيوان نجس بالموت نجس شعره وصوفه على المنصوص وروي عن الشافعي ﵀ أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاث طرق: فمنهم من لم يثبت هذه الرواية وقال ينجس الشعر بالموت قولًا واحدًا لأنه جزء متصل بالحيوان اتصال خلقة فينجس بالموت كالأعضاء ومنهم من جعل الرجوع عن تنجيس شعر الآدمي رجوعًا عن تنجيس جميع الشعور فجعل في الشعور قولين أحدهما: ينجس لما ذكرناه والثاني: لا ينجس لأنه لا يحس ولا يتألم فلا تلحقه نجاسة الموت ومنهم من جعل هذه الرواية رجوعًا عن تنجيس شعر الآدمي خاصة فجعل في الشعور قولين أحدهما: ينجس الجميع لما ذكرناه والثاني: ينجس الجميع إلا شعر الآدمي فإنه لا ينجس لأنه منصوص بالكرام ولهذا يحل لبنه مع تحريم أكله.
وأما شعر رسول الله ﷺ فإذا قلنا إن شعر غيره طاهر فشعره ﷺ أولى بالطهارة وإذا قلنا إن شعر غيره نجس ففي شعره ﵊ وجهان: أحدهما: أنه نجس لأن ما كان نجسًا من غيره كان نجسًا منه كالدم وقال أبو جعفر الترمذي: هو طاهر لأن النبي ﷺ ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس وكل موضع قلنا إنه نجس عفى عن الشعرة والشعرتين في الماء والثوب لأنه لا يمكن الاحتراز منه فعفى عنه كما عفي عن دم البراغيث فإن دبغ جلد الميتة وعيه شعر فقد قال في الأم: لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر في تطهيره وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أنه يطهر لأنه شعر نابت على جلد
_________
١ رواه البخاري في كتاب الزكاة باب ٦١. مسلم في كتاب الحيض حديث ١٠٠ أبو داود في كتاب اللباس باب ٣٨. الدارمي في كتاب الأضاحي باب ٢٠. الموطأ في كتاب الضير حديث ١٦.
1 / 28
طاهر فكان كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة وإن جز الشعر من الحيوان نظرت فإن كان من حيوان يؤكل لم ينجس لأن الجز في الشعر كالذبح في الحيوان ولو ذبح الحيوان لم ينجس فكذلك إذا جز شعره وإن كان من حيوان لا يؤكل فحكمه حكم الحيوان ولو ذبح الحيوان كان ميتة كذلك إذا جز شعره وجب أن يكون ميتة.
فصل: فأما العظم والسن والقرن والظلف والظفر ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو كالشعر والصوف لأنه لا يحس ولا يألم ومنهم من قال ينجس قولًا واحدًا.
فصل: وأما اللبن في ضرع الشاة الميتة فهو نجس لأنه ملاق للنجاسة فهو كاللبن في إناء نجس وأما البيض في جوف الدجاجة الميتة فإن لم يتصلب قشره فهو كاللبن وإن تصلب قشرة لم ينجس كما لو وقعت بيضة في شيء نجس.
فصل: إذا ذبح حيوان يؤكل لم ينجس بالذبح شيء من أجزائه ويجوز الانتفاع بجلده وشعره وعظمه ما لم يكن عليها نجاسة لأنه جزء طاهر من حيوان طاهر مأكول فجاز الانتفاع به بعد الذكاة كاللحم وإن ذبح حيوان لا يؤكل نجس بذبحه كما ينجس بموته لأنه ذبح لا يبيح أكل اللحم فنجس به كما ينجس بالموت كذبح المجوسي.
فصل: ويكره استعمال أواني الذهب والفضة لما روى حذيفة بن اليمان أن النبي ﷺ قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنهما لهم في الدنيا ولكم في الآخرة١" وهل يكره كراهية تنزه أو تحريم قولان: قال في القديم: كراهية تنزيه لأنه إنما نهي عنه للسرف والخيلاء والتشبه بالأعاجم وهذا لا يوجب التحريم وقال في الجديد: يكره كراهية تحريم وهو الصحيح لقوله ﷺ "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم٢" فتوعد عليه بالنار فدل على أنه محرم وإن توضأ منه صح
_________
١ رواه البخاري في كتاب الأطعمة باب ٣٩.
٢ رواه البخاري في كتاب الأشربة باب ٢٨. مسلم في كتاب اللباس حديث١. ابن ماجه في كتاب الأشربة باب ١٧. الدارمي في كتاب الأشربة باب ٢٥. الموطأ في كتاب صفة النبي حديث ١١. أحمد
1 / 29
الوضوء لأن المنع لا يختص بالطهارة فأشبه الصلاة في الدار المغصوبة ولأن الوضوء هو جريان الماء على الأعضاء وليس في ذلك معصية وإنما المعصية في استعمال الظرف دون ما فيه فإن أكل أو شرب منه لم يكن المأكول والمشروب حرامًا لأن المنع لأجل الظرف دون ما فيه وأما اتخاذها ففيه وجهان: أحدهما: أنه يجوز لأن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ والثاني لا وهو الأصح لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه كالطنبور والبربط وأما أواني البلور والفيروزج وما أشبههما من الأجناس المثمنة ففيه قولان: روى حرملة أنه لا يجوز لأنه أعظم في السرف من الذهب والفضة فهو بالتحريم أولى وروى المزني أنه يجوز وهو الأصح لأن السرف فيه غير ظاهر لأنه لا يعرفه إلا الخواص من الناس.
فصل: وأما المضبب بالذهب فإنه يحرم قليله وكثيره لقوله ﷺ في الذهب والحرير "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها١" فإن اضطر إليه جاز لما روي أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي ﷺ أن يتخذ أنفا
_________
١ رواه مسلم في كتاب الزهد حديث ٧٤. ابن ماجه في كتاب اللباس باب ١٩. الدارمي في كتاب الأشربة باب ١٣ أحمد في مسنده "٣/١٣٨، ٢٩٢".
1 / 30
من ذهب وأما المضبب بالفضة فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال إن كان قليلًا للحاجة لم يكره لما روى أنس أن قدح النبي ﷺ انكسر فتخذ مكان الشفة سلسلة من فضة وإن كان للزينة كره لأنه غير محتاج إليه ولا يحرم لما روى أنس قال: كان نعل سيف رسول الله ﷺ من فضة وقبيعة سيفه فضة وما بين ذلك حلق الفضة وإن كان كثيرًا للحاجة كره لكثرته ولم يحرم للحاجة وإن كان كثيرًا للزينة حرم لقول ابن عمر لا يتوضأ ولا يشرب من قدح فيه حلقة من فضة أو ضبة من فضة وعن عائشة ﵂ أنها نهت أن تضبب الأقداح بالفضة ومن أصحابنا من قال: يحرم في موضع الشرب لأنه يقع الاستعمال به ولا يحرم فيما سواه لأنه لا يقع به الاستعمال ومنهم من قال: يكره ولا يحرم لحديث أنس في سيف رسول الله ﷺ.
فصل: ويكره استعمال أواني المشركين وثيابهم لما روى أبو ثعلبة الخشني قال قلت: يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب ونأكل في آنيتهم فقال: "لا تأكلوا في آنيتهم إلا إن لم تجدوا عنها بدًا فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها١" ولأنهم لا يتجنبون النجاسة فكره
_________
١ رواه البخاري في كتب الذبائح باب ٤، ١٠. مسلم في كتاب الصيد حديث ٨. الترمذي في كتاب الصيد باب ١. ابن ماجه في كتاب الصيد باب ٣. الدارمي في كتاب السير باب ٥٦. أحمد في مسنده "٤/١٩٣".
1 / 31
لذلك فإن توضأ من أوانيهم نظرت فإن كانوا ممن لا يتدينون باستعمال النجاسة صح الوضوء لأن النبي ﷺ توضأ من مزادة مشركة وتوضأ عمر من جرة نصراني ولأن الأصل في أوانيهم الطهارة وإن كانوا ممن يتدينون باستعمال النجاسة ففيه وجهان: أحدهما: أنه يصح الوضوء لأن الأصل في أوانيهم الطهارة والثاني: لا يصح لأنهم يتدينون باستعمال النجاسة كما يتدين المسلمون بالماء الطاهر فالظاهر من أوانيهم وثيابهم النجاسة ويستحب تغطية الإناء لما روى أبو هريرة قال: أمرنا رسول الله ﷺ بتغطية الإناء وإيكاء السقاية.
باب السواك السواك سنة لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب١" ويستحب في ثلاثة أحوال: أحدها: عند القيام للصلاة لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك٢" والثاني: عند اصفرار الأسنان لما روى العباس أن النبي ﷺ قال: "استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا٣" والثالث: عند تغير الفم وذلك قد يكون من النوم وقد يكون بالأزم وهو ترك _________ ١ رواه البخاري في كتاب الصوم باب ٢٧. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤. ابم ماجه في كتاب الطهارة باب ٧. الدارمي في كتاب الوضوء باب ١٩. أحمد في مسنده "١/ ٣، ١٠". ٢ رواه أحمد في مسنده "٦/٢٧٢". ٣ رواه أحمد في مسنده "٣/٤٤٢".
باب السواك السواك سنة لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب١" ويستحب في ثلاثة أحوال: أحدها: عند القيام للصلاة لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك٢" والثاني: عند اصفرار الأسنان لما روى العباس أن النبي ﷺ قال: "استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا٣" والثالث: عند تغير الفم وذلك قد يكون من النوم وقد يكون بالأزم وهو ترك _________ ١ رواه البخاري في كتاب الصوم باب ٢٧. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤. ابم ماجه في كتاب الطهارة باب ٧. الدارمي في كتاب الوضوء باب ١٩. أحمد في مسنده "١/ ٣، ١٠". ٢ رواه أحمد في مسنده "٦/٢٧٢". ٣ رواه أحمد في مسنده "٣/٤٤٢".
1 / 32