جلال الدين السيوطي
حياته
السيوطي عالم جليل، متعدد المواهب، كثير التأليف، بعيد الصيت، طرق مختلف الموضوعات والعلوم، فأجاد فيها وبرز، وكان أحد كبار الموسوعيين في عصره، ونحاول أن نتعرف على السيوطي الإنسان، والسيوطي العالم المؤلف، في شيء من الإيجاز، ذلك لأن الدراسات التي تحدثت عن السيوطي وكتبه كثيرة، لدى القدامى والمحدثين.
اسمه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق، جلال الدين الخضيري السيوطي، ولد سنة ٨٤٩ هـ/ ١٤٤٥ م، وتوفي سنة ٩١١ هـ/ ١٥٠٥ م، وقد ترجم السيوطي لنفسه مرتين؛ الأولى في كتابه (التحدث بنعمة الله) سنة ٨٩٦ هـ[١]، وهي ترجمة واسعة، تحدث فيها عن والده ومكانته وعلمه، وعن نفسه، ورحلاته، ومسموعاته، ومؤلفاته، وعلمه، وتبحره في العلوم، وبلوغه رتبة الاجتهاد فيها، وخلافاته مع بعض معاصريه، ولهذه الترجمة قيمة كبيرة في التعريف بحياته، والجوانب التي لا يدركها من ترجم له من معاصريه.
والترجمة الثانية، في كتابه (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة)، كتبها سنة ٩٠٣ هـ، أي قبل وفاته بقليل، وهي ترجمة ليست وافية كالأولى، ولكنها عبرت عن حياته العلمية وثقافته خير تعبير، فقد تحدث فيها عن حياته وأصله ونسبه وعلمه، وحفظه القرآن في صغره، وقراءته على الشيوخ، والكتب التي قرأها، وبدء تأليفه، ومقدار ما ألف في ذلك الوقت، ثم ذكر رحلاته وحجه لبيت الله، والعلوم التي برع فيها، والعلوم التي نهل منها ولم يبلغ فيها شأوا بعيدا، وكذلك العلوم التي عزف عنها كالفلسفة والرياضيات، وذكر مسردا بمؤلفاته موزعة حسب الفروع.
وخير من يرسم معالم حياته هو السيوطي نفسه، وقد أعجبتني هذه الترجمة الصريحة المباشرة، ولذلك أدون طرفا منها، وإليك حديثه عن نفسه في كتاب (حسن المحاضرة)، وفي بدء كلامه يمهد لذلك بتبرير لهذه الترجمة، وبأنه ليس مبتدعا في هذا الأمر، بل هو يقتدي بمن قبله من العلماء الذين ترجموا لأنفسهم، وأشهر هؤلاء: الإمام عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور، وياقوت الحموي في معجم الأدباء، ولسان الدين ابن الخطيب في تاريخ غرناطة، والحافظ تقي الدين الفارسي في تاريخ مكة، والحافظ أبو الفضل ابن حجر في قضاة مصر، وأبو شامة في الروضتين، ويقول:
_________
[١] كتب اليزابث ماري سارتين رسالتها عن هذه الترجمة، ونالت بها درجة الدكتوراه من جامعة كمبردج.
1 / 7