وأحاديث صحيحة من أحاديث النبي الكريم، وطرزته بحكايات حسنة عن الصالحين الأخيار، ونقلت فيه كثيرا مما أودعه الزمخشري في كتابه (ربيع الأبرار)، وكثيرا مما نقله ابن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد)، ورجوت أن يجد مطالعه فيه كل ما يقصد ويريد» .
أما مادة الكتاب وما اقتبسه من الكتب السابقة، فيوضحها في قوله: «وجمعت فيه لطائف وظرائف عديدة، من منتخبات الكتب النفيسة المفيدة، وأودعته من الأحاديث النبوية، والأمثال الشعرية، والألفاظ اللغوية، والحكايات الجدية، والنوادر الهزلية، ومن الغرائب والدقائق، والأشعار والرقائق، ما تشنف به الأسماع، وتقر برؤيته العيون، وينشرح بمطالعته كل قلب محزون:
من كل معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعشقه القرطاس والقلم» [١]
ومن الكتب المتأخرة بعد زمن السيوطي، التي نهجت هذا النهج كتابا العاملي محمد بن الحسين الحارثي الهمذاني (ت ١٠٣١ هـ) المخلاة والكشكول، وفي اسم الكتابين دلالة على مادتهما، فالمخلاة: الكيس الذي يعلقه المتسول في رقبته، ويضع فيه ما يجود به عليه المحسنون، وكلمة المخلاة عربية فصيحة، فهي تعني ما يجعل فيه (الخلى)، وهو العشب الرطب، ثم أطلقت على ما يجعل فيه العلف ويعلّق في عنق الدابة، أما الكشكول: فكلمة فارسية يطلق على الحقيبة التي تضم أنواعا من الحاجيات، ويقول في مقدمة الكشكول إنه جمع فيه: «ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، من جواهر التفسير، وزواهر التأويل، وعيون الأخبار، ومحاسن الآثار، وبدائع حكم، يستضاء بنورها، وجوامع كلم يهتدى ببدورها، ونفحات قدسية تعطر مسام الأرواح، وواردات أنسية تحيي رميم الأشباح، وأبيات تشرب في الكؤوس لسلاستها، وحكايات شائعة تمزج بالنفوس لنفاستها» .
ويبدو أن كتاب الكشكول هو تتمة لكتاب المخلاة، وكلاهما على نمط واحد في الاختيار، يقول في مقدمة الكشكول: «ثم عثرت بعد ذلك [٢] على نوادر تتحرك لها الطباع، وتهش لها الأسماع، وطرائف تسر المحزون، وتزري بالدر المخزون، ولطائف أصفى من رائق الشراب، وأبهى من أيام الشباب، وأشعار أعذب من الماء الزلال، وألطف من السحر الحلال.... فاستخرت الله تعالى، ولفقت كتابا ثانيا يحذو حذو ذلك الكتاب الفاخر، ويستبين به صدق المثل السائر، فكم ترك الأول للآخر» [٣] .
هذه الكتب وغيرها، يشبه بعضها بعضا إلى حد ما من حيث الاختيار وحسن
_________
[١] المستطرف ١/١١ ط إحياء التراث العربي، بيروت ١٩٩٤.
[٢] يريد بعد تأليف كتاب المخلاة.
[٣] الكشكول، مقدمة الكتاب، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ط الحلبي، مصر ١٩٦١.
1 / 21