مغالطات منطقی
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
ژانرها
في استطلاع ضخم في الإسكندرية وبورسعيد تبين أن اثنين وثلاثين بالمائة ممن شملهم الاستطلاع يقضون شهرا على الأقل كل عام على شاطئ البحر، إذن يمكننا أن نستنتج أن حوالي ثلث سكان مصر يقضون شهرا على الأقل على البحر. (3) النصوع المضلل
misleading vividness
يلحق بالتعميم المتسرع ما يعرف ب «النصوع المضلل»، حيث يؤخذ مثال واحد (أو حفنة من الأمثلة) بأكثر من دلالته الإحصائية بسبب وهجه ودراميته، يعود ذلك إلى الأثر النفسي الذي يتركه الحدث الدرامي في الذهن، وكأنه يقوم في حساب الذاكرة مقام عشرة أحداث عادية خاملة، يعزو السيكولوجيون هذا الأثر النفسي إلى فرضية كشفية معرفية تسمى
availability heuristic ، من ذلك أن شخصا نجا من حادث تحطم طائرة قد يميل حقا إلى الاعتقاد بأن معدلات كوارث الطيران أكبر من معدلات غيرها من الكوارث، وأن السفر بالطائرة أخطر من السفر بأي وسيلة أخرى، وإن كانت الإحصائيات تقطع بخطأ هذا الاعتقاد. •••
وبعد، فحين يسمح المرء لعقله أن يشيد تعميمات عريضة على أساس معلومات شحيحة أو أدلة هزيلة أو أمثلة قليلة أو عينة غير ممثلة فلن يعييه أن يقيض أدلة لكل شيء ويجد بينة لأي دعوى مهما بلغت من البطلان والسخف، ولن يعجزه أن يؤيد أي شيء يميل إلى الاعتقاد به ما دام يعنيه الاعتقاد ولا تعنيه الحقيقة.
لعل التعميم المتسرع من أكثر المغالطات شيوعا، فهو يتبطن كثيرا من التحيزات العرقية والعنصرية والنعرات الشوفينية والطائفية والطبقية والتعصب الديني والأيديولوجي، كذلك يتبطن التعميم المتسرع كثيرا من الأوصاف النمطية عن الشعوب المختلفة (الإنجليزي، الهندي، الإيطالي ...) وعن أهل الأقاليم المحلية (المنوفي، الشرقاوي، الدمياطي، الطنطاوي، البحيري، الصعيدي ...) وربما يتبطن كثيرا من اعتقاداتنا حول أصناف المنتجات وماركات الأجهزة التي تقوم في الغالب على بضعة أمثلة من واقع خبرتنا الحياتية القصيرة المحدودة.
والحق أننا مضطرون إلى التعميم في حياتنا العملية، ولا يسعنا إلا التعميم إذا شئنا أن نفكر في أي شيء أو نتخذ أي قرار، ويبقى أن نتبع الأسلوب العلمي في استخلاص التعميمات، وأن نتجنب التعميم المتسرع جهد استطاعتنا، وأن نملك تعميماتنا ولا تملكنا؛ أي أن نجعل منها مجرد فروض عمل قابلة للمراجعة والتنقيح لا اعتقادا دوجماويا صلبا يأخذ علينا سبل التأمل ويسد علينا منافذ التفكير.
ملاحظتان
أحيانا ما نضطر اضطرارا إلى اتخاذ عينة صغيرة جدا، وذلك عندما لا تكون في حوزتنا غيرها، ومن الغبن أن يتهم المرء بالتعميم المتسرع إذا كانت العينة المتاحة للدراسة محدودة جدا ولم يتسن له أي مصدر آخر للمعلومات، كثيرا ما يضطر علماء الكتابات القديمة مثلا إلى استخلاص أصولها من عينات شحيحة للغاية مثل حجر رشيد، وكثيرا ما يضطر علماء البيولوجيا مثلا، وبخاصة علماء الحفريات، إلى دارسة عينة وحيدة عن حيوان ما.
قد يفضي التعميم المتسرع، شأنه شأن أي مغالطة أخرى، إلى نتيجة صادقة، ولا يندر أن تأتي نتيجة صادقة عن استدلال مغلوط، ولكن ما دام الاستدلال مغلوطا فليس ثمة مبرر لقبول نتيجة قائمة على مثل هذا الاستدلال.
صفحه نامشخص