رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَن حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فهو أَحَدُ الكَذابِينَ.
ــ
فيها؛ إذ يجوز قَبُولُ أخبار رسول الله ﷺ من الراوي لها العدلِ، وإن جَرَّ لنفسه بذلك نفعًا، أو لولده، أو ساقَ بذلك مضرةً لعدوِّه؛ كأخبار عليٍّ ﵁ عن الخوارج.
وسِرّ الفرق: أنه لا يتَّهم أحدٌ من أهل العدالة والدِّين بأن يكذبَ على رسولِ الله ﷺ بشيء من ذلك، فكيف يقتحمُ أحدٌ من أهل العدالة والدِّين لشيء من ذلك مع قول (١) رسول الله ﷺ: إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحدٍ؛ فَمَن كَذَبَ عليَّ، فليتبوَّأ مَقعَدَهُ من النار (٢).
والخبر والشهادة؛ وإنِ اتفقا في أصلِ اشتراط العدالة، فقد يفترقان في أمور عديدة؛ كما فصَّلناه في الأصول.
وعلى الجملة: فشوائبُ المتعبّدات (٣) ومراعاةُ المناصب في الشهادات أغلب، ومراعاة ظنّ الصدق في الرواية أغلب، والله تعالى أعلم.
و(قوله ﵊: مَن حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فهو أَحَدُ الكَذابِينَ): قيَّدناه عن مشايخنا: يُرَى مبنيًّا للفاعل والمفعول: فيَرَى بالفتح، بمعنى: يعلَمُ المتعدِّية لمفعولَين، وأنَّ سدَّت مسدَّهما. وماضي يَرَى: رَأَى مهموزًا، وإنما تركتِ العربُ همزَ المضارع؛ لكثرة الاستعمال، وقد نطقوا به على الأصل مهموزًا في قولهم:
ألم تر ما لاقَيتُ والدَّهرُ أعصُرُ ... ومَن يَتَمَنَّى (٤) العَيشَ يَرأَى وَيَسمَعُ
وربَّما تركوا همزَ الماضي في مثل قولهم:
صَاحِ هل رَيتَ أو سَمِعتَ براعٍ ... رَدَّ في الضَّرع ما قَرَا في الحِلاَبِ (٥)؟