والحجة الثانية أن الأشياء التي تتنفس من ذاتها فإنها تحتاج إلى مكان أكثر من مكانها الذي هي فيه فإن كان ماء البحر يتنفس من ذاته من غير علة القمر فإنه عند تنفسه يحتاج إلى مكان أكثر من مكانه الذي كان فيه فكيف يمكن أن يرجع ذلك الماء ئلى إلى البحر في وقت الجزر وليس له هناك مكان أو لم صار ذلك التنفس الذي يكون للبحر ورجوع الماء ئليه إليه يكون مع ارتفاع القمر وانحطاطه ومغيبه وليس ذلك في طبع حركة الماء فإذا كان هذا هكذا فالقمر إذن علة المد والجزر
والحجة الثالثة أنا قلنا إن طبيعة الماء ئن إن يذهب سفلا إلى عمق البحر ونحن نراه في وقت المد يتحرك علوا لأنه يرتفع من عمق البحر إلى أعلاه ثم يصير إلى الشاطئ ثم يدفع بعضه بعضا بحفز شديد حتى يرتفع وليس في طبع الماء أن يتحرك علوا فإذا رأيناه يتحرك علوا وليست تلك الحركة من طبعه علمنا أن له محركا وذلك المحرك هو علة حركته فإن لم يكن القمر علة تلك الحركة فلا بد له من علة أخرى غير القمر وذلك ما لا يوجد فليس إذن لحركة ماء المد علة غير القمر كما قد ذكرنا فيما تقدم بالحجج المقنعة
صفحه ۳۱۶