ما أقبح الرجل! من خارجه ومن داخله أشد قبحا! •••
تأملت المرأة الشابة التي ترقد تحت مشرطي على المنضدة الرخامية البيضاء؛ شعرها طويل ناعم مصبوغ باللون الأحمر لكنه مغسول بالفورمالين، أسنانها بيضاء لامعة وفي وسطها سنة ذهبية حمراء لكن جذورها صفراء، أظافرها طويلة مدببة مطلية باللون الأحمر لكن منابتها بيضاء، ونهداها فوق صدرها ولكنهما ضامران متهدلان.
قطعتا اللحم اللتان عذبتاني في طفولتي، اللتان تحددان مستقبل البنات وتشغلان عقول الرجال وعيونهم ...
ها هما تستقران تحت مشرطي يابستين مجعدتين كقطعتين من جلد الأحذية!
ما أضحل مستقبل البنات! وما أتفه ما يملأ عقول الرجال وعيونهم! والشعر الطويل الناعم الذي عذبتني أمي من أجله سنين طفولتي، تاج المرأة وعرش جمالها الذي تحمله فوق رأسها وتضيع نصف عمرها في تصفيفه وتنعيمه وصباغته؛ ها هو يستقر أمام عيني في جردل المشرحة إلى جوار عفونات الجسد وفتافيت الشحم المهملة! •••
أحسست بمرارة في حلقي، فقذفت بقطعة اللحم من فمي، ووضعت قطعة الخبز تحت أسناني، وحاولت أن أمضغ، لكن أسناني كانت تتحرك بصعوبة. حاولت أن أبلع، أحسست بقطعة الخبز وهي تحتك بجدار بلعومي وتسير في خشونة إلى معدتي، أحسست بمعدتي وهي تفرز أحماضها لتهضم الخبز، وأحسست بأمعائي وهي تنتفخ لتستقبل الأكل، وشعرت بشيء يجثم على صدري، وتبينته فعرفت أنه قلبي ينقبض وينبسط طاردا الدم إلى شراييني. وأحسست بالدم وهو يزحف في عروقي، وأحسست بالنبضات الخافتة التي تصنعها الشعيرات الدموية الدقيقة في أطرافي، وأحسست بالهواء وهو يدخل إلى أنفي ويجتاز حنجرتي ليملأ رئتي وينفخهما، ينفخهما كالبالونة، حتى توقف الهواء في صدري، وأحسست أنني أختنق؛ شفتاي لا تتحركان، وذراعاي لا تمتدان، وعضلات قلبي لا تنقبض، وعروقي لا تنبض بالدم!
آه، لقد مت!
وقفزت مفزوعة.
لا! لن أموت وأصبح جثة كهذه الجثث الممدودة أمامي فوق المناضد!
وألقيت المشرط من يدي وخرجت من المشرحة أعدو، ونظرت إلى الناس في دهشة وهم يسيرون في الشارع ويحركون أذرعهم وأرجلهم بلا تفكير، ويجرون وراء الأتوبيس بسهولة، ويفتحون أفواههم، ويحركون شفاههم، ويتكلمون، ويتنفسون، ويفعلون كل شيء بسهولة شديدة.
صفحه نامشخص