الساعة واحدة وربع، مش نقوم!
أنا :
ما أظرفك يا سي فلان! أتمنعني عن أن أقوم حتى إذا جاءت اللحظة الجميلة حيث يحلو السهر ويطير النوم تريد بنا أن نقوم؟ أو أن غرضك أن نسير في الشارع، وإن كان ذلك فإلى أين؟
ع. ف :
إلى حيث تريدون.
ل. م :
أما أنا فيسرني المكث هنا، خصوصا وقد ابتدأ المكان يخلو والدخان الذي فيه يلازم السقف ويبقى منه ريحه المنعش المخدر، على أنه إن رأيتم أن نقوم فلا مانع، وربما كان بقاؤنا نصف ساعة أخرى غير مانع لنا عن أن نسير بعد ذلك حتى ميدان الأوبرا.
ع. ف :
ليكن، ولنرجع إلى الحديث الذي ابتدأته، ثم لتسمح لي أن أنكر هذا التشاؤم الذي ظهر من كلامك، وأن أقول أنا مع الجانب الذي لست أنت منه، إن الإنسانية تقدمت كثيرا ومن كل جانب، وتقدم أمام عيوننا اليوم مناظر أبهى وأجلب للسعادة مما كانت لأسلافنا، وهذه المسائل التي تراها أنت صغيرة مسائل إلغاء الرق وتخفيف وطأة البؤس هي كبيرة وتفتخر بها الإنسانية، تمثل أمامك صورة من النظام القديم حين كان بنو آدم العمال يذهبون قطعانا يملكهم سيد يتصرف في رقابهم وأعمالهم كما يشاء، ويسومهم الخسف وأنواع العذاب إرضاء لبعض شهواته أو لبغي من محظياته، وقل لي إذا لم تكن الخطى التي خطتها الإنسانية تعد تقدما، ثم تصور إزاء التقدم الاقتصادي الهائل الذي يتمتع بنو الإنسان جميعا بنتائجه من أغنانا إلى أفقرنا، ذلك الفقر المدقع الذي كان عليه آباؤنا، وهذا الشكل الوحشي من الحياة الذي كانوا يعيشون، لا يا صاح لا ننكر التقدم العظيم الذي أكملته الإنسانية على مر القرون، فذلك إنكار المحسوس، إذا اعتبرت بلادنا مثال مدنية قديمة بعض الشيء كما هو الواقع وقارنتها بالمدنية الغربية: أتستطيع إنكار أنا أقل سعادة من الغربي وأقل رفاهة؟ بل أتنكر أن حياتنا في مصر إلى جانب الحياة الأوربية تسمى وحشية فظيعة؟ خذ أي جهة من جهات هذه الحياة سواء الجهة المادية أو الأدبية أو العقلية واحكم من غير تحيز إن كان من نحن إلا مدنية مختلفة قيمتها إلى جانب المدنية الغربية كقيمة درهمين متكافئين من معدنين مختلفين.
ل. م :
صفحه نامشخص