يعطيها رجل الله مخدرا يميتها أربعين ساعة، ويعمل جهده أن يبعث لروميو من يأتي به، ولكن الخبر بلغ روميو قبل ذلك، ويصل ويقتل باريس ويشرب السم ويموت قبل أن تقوم هي، ثم يأتي الشيخ فيوقظها فترى صاحبها مبتسما فتنطرح عليه وتأخذ بيدها زجاجة السم فتجدها فارغة ولم يبق روميو لها فيها نصيبها، فتقبله عل ما على شفتيه يصل بها إلى الأبدية حيث تراه، وأخيرا تقتل نفسها بالخنجر الذي قتل هو به باريس.
وبين أحجار المقابر المخوفة وتحت غطاء الليل العظيم، انطرحت ميتة إلى جانبه وماتا هكذا شهداء الغرام.
رحمة بهاته الأرواح يا الله إن كانت ستصعد إلى سمائك، وإن كان للفناء مصيرها فما أقسى الوجود
12 يناير 1910
من أهم ما ينقصنا نحن المصريين في مصر الشعور بوجوب التجديد
L’esprit de nouveauté
ينقصنا في كل مسألة من المسائل وعند كل طبقات الجمعية، فلا ترى في البلد إلا طالب للرجوع، واتخاذ المثل من العصور القديمة، ويجاهد قدر المستطاع للتوفيق بين رغبته هذه، وما يسميه هو مصلحة البلد.
تسري تلك الروح الرجعية في نفوس طبقات الأمة المختلفة، ويجهرون بها على رؤوس الأشهاد، وينادون في الوقت عينه بأنهم يرجون التقدم إلى الأمام، تعبث بكل موجود من الموجودات، إن بالعائلة أو الحكومة أو الفرد في ذاته، كما تعبث بالتعليم والتجارة والصناعة والزراعة، تعبث بالأجسام كما تعبث بالعقول والأرواح ولا تقف عند حد رغم أنف أحسن المفكرين والكتاب المعتبرين عندنا، فإن دفعهم تفكيرهم وأظهروا للناس جديدا أنها عليهم الآخرون، وما أسرع ما ينسحب ذلك المفكر هاجرا وراءه رأيه!
كنت عند صديق من أيام، ودار الحديث حول العائلة، هو وأنا وكل مصري مقتنع بفساد نظامها الحاضر، وهو والكثيرون من أمثاله لا يجدون حين يريدون الإصلاح إلا الرجوع لبناء عائلته على نظام العائلة العربية التي كانت موجودة في صدر الإسلام، وماذا كان نظام هذه العائلة؟ هو لا يعلم والأكثرون من أمثاله لا يعلمون؛ لذلك أجد صعوبة في إقناعه بالإقلاع عن هذا الرأي وبأن الإصلاح يجب لينجح أن يكون أساسه الحاضر وما يحيط بالحاضر من مؤثرات الوسط والمدنية، والواقع أنه لو تدبر هذا الأفندي وغيره أمر العائلة القديمة العربية ونظامها النصف بدوي عند طائفة، والترف الفاسد عند طائفة أخرى لما تاقت نفوسهم لها، ولكنهم يسمعون أن بعض النساء عند العرب كن متفوقات في الشعر وبعضهن كن يواسين الجرحى في الحروب فيجيء إلى نفوسهم خيال غريب من هؤلاء النسوة، ويريدون أن تكون العائلة المصرية كالعائلة العربية، وكأن حياة العائلة يدخل في نظامها قول الشعر أو مواساة الجرحى.
غير مسألة المرأة مما تحتله الأفكار الرجعية احتلالا ظاهرا مسألة اللغة، يريد الرجعيون فوق أن تبقى قواعد النحو والصرف على ما وضعها أبو الأسود من ثلاثة عشر قرنا مضت أن يحفظوا صيغة اللغة كما كانت أيام العصر القديم، ويريدون أن تبقى قواميسنا قاصرة على ما كان في العهد الأول، وكأنهم ما علموا أن اللغة نفثة من روح الأمة تظهر فيها أفكارها وإحساساتها، ولباس من ملابسها يضيق ويتسع بمقدار ضيق أو اتساع حاجيات الأمة وكمالياتها، ويعلم الله لولا أن كلمات تدخل اللغة رغم أنف هؤلاء الرجعيين وتندمج فيها لمطلق حاجة الناس إليها لكنا أشد فقرا مما نحن اليوم، ولو أن عندنا روحا كريمة تحس بحقيقة حاجاتنا لكانت هذه الكلمات الجديدة التي نجيء بها من لغات أخرى أو التي نشتقها من لغتنا أضعاف ما هي عليه اليوم، غير مسائل اللغة والمرأة مسائل كثيرة، وما رأيت مسألة عندنا أصبحنا ندعو فيها للتقدم إلا ما أرغمنا عليها منافسة الأجنبي لنا في أمور معيشتنا، وما أظن الحياة القائمة على مثل هذا الدافع الواقفة دونه حياة تبعث للنفس الأمل أو للقلب السرور.
صفحه نامشخص