هذا هو الرجل الذي راح المستر بكوك يطيل النظر إليه من خلال منظاره الذي كان لحسن الحظ قد استرده، وانثنى - بعد أن استنفد أصحابه قواهم في التعبير عن شكرهم - يقدم إليه في عبارات منتقاة أصدق الشكر على معونته.
ولكن الغريب قاطعه قائلا: «لا بأس ... كفى ... ولا مزيد ... ذلك الحوذي ... نشيط ... يحسن استخدام كفه ... ولو كنت صاحبكم في هذه المعركة، فليلعني الله في كل كتاب، إذا أنا لم أكن قد كسرت دماغه ... ليتني فعلت ... همس خنزير ... وبائع الفطير أيضا ... كلام جد.»
وقطع على الرجل فيض هذا الكلام غير الموصول دخول حوذي العربة الحافلة التي ستسافر إلى روشيستر؛ ليعلن أن «الكومادور» على وشك القيام.
فلم يكد الغريب يسمع اسم المركبة حتى استوى في دهشة قائمة وهو يقول: «الكومادور» هذه مركبتي التي حجزت فيها مقعدا لي، في خارجها ... الآن أترككم لتدفعوا ثمن البراندي والماء ... نريد فكة خمسة ... نقود فضية رديئة ... شيء زائف ... أزرار لا تغني ... ولا تعني ... آه؟
ومضى يهز رأسه هزة الفطن العارف كل شيء، وصادف أن المستر بكوك وصحبه الثلاثة كانوا قد انتووا أن يجعلوا «روشيستر» أول محطة ينزلون بها هم أيضا، فبعد أن أفهموا صاحبهم الجديد بلباقة أنهم مسافرون إلى المدينة ذاتها، اتفقوا على أن يشغلوا المقعد المقام في ظهر المركبة؛ حتى يتسنى لهم جميعا الجلوس معا.
وانطلق الغريب يقول للمستر بكوك: «هب ... اطلع ...»، ومضى يعاونه على الصعود إلى السقف في سرعة بالغة، حتى لقد كاد يفسد وقار ذلك السيد، وجلال سمعته إلى حد كبير.
وسأل الحوذي الرجل الغريب: «هل معك أمتعة يا سيدي؟»
فأجاب قائلا: «من ... أنا؟ إضمامة في ورق لف هنا ... هذا هو كل ما لدي ... أما الأمتعة الأخرى فقد شحنت في المركب، صناديق معبأة محكمة بالمسامير ... ضخمة كالبيوت ... ثقال الوزن ... فوادح ... ملعونة ...»، وانثنى خلال قوله هذا يحشر في جيبه ما استطاع حشره من الحزمة الملفوفة في الورق الأسمر، التي توحي - في أغلب الظن - بأنها تحوي قميصا واحدا ومنديلا.
وصاح الغريب الكثير الكلام بأولئك الرفاق محذرا: «احرصوا على رءوسكم ... رءوسكم!» ... حين رآهم يجتازون الباب المنخفض الذي كان يقوم في تلك الأيام، ويوصل إلى فناء المركبات.
واسترسل يقول: «موضع بشع ... بناء خطر ... منذ أيام ... خمسة أطفال وأمهم، سيدة طويلة، وهي تأكل «الشطائر» ... فنسيت الباب ... طاخ ... الأولاد يتلفتون حولهم ... وإذا برأس الأم يطير عن جسدها، والشطائر في يدها ... لم يعد هناك فم تدخل فيه ... رأس أسرة يطير في الفضاء ... منظر بشع ... بشع ... ألا تنظر يا سيدي إلى هوايتهول؟ ... موضع بديع ... شرفة صغيرة ... لقد طار رأس إنسان آخر هنا، أليس كذلك يا سيدي؟ ... لأنه هو أيضا لم يحاذر كثيرا، ولم ينتبه ... أليس كذلك يا سيد؟»
صفحه نامشخص