ومضى المستر بكوك يقاوم بعنف وهو يقول: «رحمة بي، إني أسمع وقع أقدام على السلم، ألا كفي عن هذا، حسبك، هيا أيتها المخلوقة الطيبة! ... كفي عني!»
ولكن توسلاته واحتجاجاته ذهبت سدى، فقد أغمي على مسز باردل وهي بين ذراعي بكوك، وقبل أن يتمكن من إلقائها فوق مقعد، دخل السيد باردل الصغير مؤذنا بقدوم طبمن، والمستر ونكل، والمستر سنودجراس.
ووقف المستر بكوك في مكانه جامدا لا يتحرك، ولا ينطق نطقا، وقف بحمله الجميل بين ذراعيه، وهو ينظر نظرات شاردة إلى وجوه أصحابه، دون أن يحاول مطلقا أن يتقدم للسلام عليهم أو شرح موقفه، كما وقفوا هم محملقي الأبصار، بينما لبث السيد باردل بدوره يحملق في الجميع.
وكانت دهشة البكوكيين بالغة، وحيرة المستر بكوك متناهية، إلى حد كان من المحتمل معه أن يظلوا جميعا وقوفا في أماكنهم ريثما تثوب السيدة إلى نفسها، لولا أن بدت من ولدها حركة من أجمل الحركات، وأشدها تأثيرا، وأبلغها دلالة على حبه البنوي، وكان الغلام في ثوب ضيق من قماش مضلع، تناثرت عليه أزرار نحاسية من حجم كبير، قد وقف في أول الأمر لدى الباب مبهوتا مستريبا، ولكن ما لبث أن تصور أن أمه لا بد من أن تكون قد اعتدي عليها، وما عتم هذا التصور أن استولى على خاطره الساذج، واعتقد أن المستر بكوك هو المعتدي، فلم يلبث أن راح يرسل صراخا مروعا، مزمجرا عاويا، ويندفع إلى الأمام ناطحا برأسه، وبدأ بمهاجمة ذلك السيد الخالد في ظهره وساقيه، بلكمات وعضات أسنان بكل ما في ذراعه من قوة، وكل ما في هياجه وغضبه من عنف.
وقال المستر بكوك من أثر ما أحسه من الضرب واللكز: «خذوا هذا الغلام الشقي بعيدا؛ إنه مجنون!»
وقال البكوكيون الثلاثة الذين عقدت الدهشة ألسنتهم: «ما الخبر؟»
وأجاب المستر بكوك بحدة: «لست أدري، أبعدوا هذا الغلام!» - وهنا احتمل المستر ونكل الغلام وهو يصرخ ويقاوم إلى الطرف الآخر من الحجرة - «والآن أعينوني على المسير بهذه المرأة إلى الدور الأول.»
وعندئذ قالت مسز باردل بصوت خافت: «أواه، إنني أحسن حالا الآن.»
وقال المستر طبمن الجسور كعهدنا به: «دعيني أسر بك إلى الدور الأول من البيت.»
وصاحت مسز باردل بتشنج: «شكرا لك يا سيدي، شكرا لك.»
صفحه نامشخص