وقالت العمة العانس وهو يغلق الباب وراءه: «يا له من عزيز!»
وقال هو لنفسه وهو منصرف من الردهة: «يا لها من فتاة عجوز بديعة!»
ومن المؤلم للخاطر أن يتمثل المرء منا مبلغ غدر الإنسان ولؤمه، ولهذا لا نبغي أن نتابع خيط أفكار المستر جنجل وسلسلة تصوراته وهو منطلق في طريقه إلى حي الأطباء، وإنما حسبنا في هذا المجال أن نقول إنه أفلت من شراك السمسارين الواقفين بالمرصاد في بذلتيهما ذواتي اللون الأبيض.
ووصل إلى مكتب القسيس العام بسلام، وبعد أن ظفر بكتاب رقيق لطيف العبارة، محرر على ورق مصقول جميل من كبير أساقفة كانتربري إلى عزيزيه المخلصين «ألفرد جنجل»، و«راشل واردل» تحيات وسلاما، وبعد ... إلخ. وضع بكل حذر الوثيقة الشرعية في جيبه، وعاد أدراجه منتصرا إلى المدينة.
وبينما كان في طريقه إلى الفندق؛ إذ دخل الفناء سيدان بدينان، وآخر نحيف، وتلفتوا حولهم للبحث عن شخص مسئول يمكن الحصول منه على بضعة معلومات، واتفق أن كان المستر صمويل ولر منهمكا عندئذ في تلميع حذاء طويل لمزارع جلس يستمتع بغداء خفيف، يتألف من رطلين أو ثلاثة أرطال من اللحم البارد، وجرة أو جرتين من النبيذ، بعد متاعب السوق.
وتقدم السيد النحيف رأسا إلى المستر صمويل ولر فقال: «يا صديقي!»
وقال «سام» لنفسه: «يظهر أنك من الذين يطلبون المشورة، ولا يدفعون شيئا، وإلا لما حييتني هكذا مسرعا، ودعوتني صديقا ...»
ولكنه أجاب السائل قائلا: «نعم يا صديقي!»
وقال السيد النحيف بنحنحة مغرية: «اسمع يا صديقي ... هل لديكم هنا نزلاء كثيرون الآن ... والحركة طيبة؟»
واختلس سام نظرة إلى السائل، فبدا له أنه رجل نحيف، «ضامر» ذو وجه أسمر مغلق، وعينين صغيرتين خلاجتين، لا تكفان عن الغمز والاختلاج واللمع على كلا جانبي أنفه الدقيق الملح، وكان مرتديا ثيابا سوداء، ومنتعلا حذاء براقا كعينيه، وغطاء رقبة صغيرا أبيض اللون، وقميصا نظيفا متغضنا، وسلسلة ساعة ذهبية، وخاتما متدليا من جيب صداره، وكان يحمل قفازا أسود من جلد الماعز في يديه، لا عليهما، وكلما تكلم ألقى بمعصميه تحت ذيل ردائه، فعل الرجل الذي اعتاد حل المشكلات.
صفحه نامشخص