وخطفت على وجه الغلام ابتسامة، وهو يتقدم ليحمله، وقد تمثلت له صور الفطير المحشو بلحم الغداف، ومرقت رسومها في خياله، وضحك وهو بالغداف عائد، فقد وجده سمينا ممتلئا.
والتفت الشيخ إلى المستر ونكل، وهو يعيد حشو قذيفته، وقال «والآن هلم يا مستر ونكل.»
وتقدم هذا فسدد بندقيته، وبادر المستر بكوك وصحابه إلى التراجع بغير إرادة؛ تجنبا لأي أذى قد يمسهم من تساقط طيور الغداف، وتناثرها من حولهم، فقد كانوا على يقين من كثرة صرعاها برصاص صاحبهم المدمر.
وساد سكون رهيب ... وتلته صيحة ... وأعقب الصيحة رفيف أجنحة ... ثم تكتكة خافتة.
وصاح الشيخ: «هيا!»
وسأل السيد بكوك صاحبه قائلا: «ألم تخرج الرصاصة؟»
وأجاب السيد ونكل وهو شاحب الوجه، والغالب أن يكون مرد شحوبه إلى الخيبة: «الطلقة خابت!»
وبادر الشيخ إلى البندقية فتناولها وهو يقول: «هذا غريب، فما عرفت من قبل أن بندقية منها تكذب ... يا عجبا ... ما لي لا أرى للظرف أثرا؟»
وعاد المستر ونكل يقول: «ويحي ... لقد نسيت الظرف.» وأصلح هذا الخطأ اليسير، وعاد المستر بكوك يقبع تحاميا للخطر، وتقدم المستر ونكل بخطوة عزم وتصميم، ووقف المستر طبمن خلف شجرة يطل من ورائها، وأرسل الغلام صيحة، فطارت أربعة غربان، فأطلق المستر ونكل عليها النار، وإذا بصيحة تنبعث كأنها صيحة إنسان لا صرخة غراب، وهي صرخة ألم جثماني ... وتبين أن المستر طبمن قد أنقذ أرواح عدد لا يحصى من الأطيار البريئة الوادعة، بتلقي جزء من الطلقة في ذراعه اليسرى ...
وليس من الهين أن نصف مبلغ الاضطراب الذي أدى إليه هذا الحادث، والارتباك الشديد الذي أعقبه، وكيف انثنى السيد بكوك في بوادر انفعاله يصيح بالسيد ونكل: «يا لك من شقي!» وكيف استلقى المستر طبمن فوق الثرى، وكيف جثا السيد ونكل مروعا فزعا بجانبه، وكيف مضى المستر طبمن - وهو لا يعي - ينادي باسم سيدة، وكيف فتح أولا إحدى عينيه، ثم عاد ففتح الأخرى، ورجع فأغمضهما معا ... نقول: إن وصف ذلك كله تفصيلا لا يقل مشقة وتعذرا عن شرح ما تلاه، وكيف أخذ الجريح السيئ الحظ يفيق رويدا من غشيته، وكيف ضمدت ذراعه بالمناديل، وحمل على فترات مسنودا إلى أذرع أصحابه المشفقين عليه، كلما مضوا به عادوا فتمهلوا قبل استئناف المسير.
صفحه نامشخص