وأيد بهي الدين بركات باشا وجهة نظري، وزادها وضوحا وتفصيلا في كلمته التي ألقاها في هذا الموضوع بجلسة 20 أبريل سنة 1944 وقال ضمن ما قال: «إن اللجنة المالية أرادت أن تقول أن ليس عندنا تضخم واكتفت بأن تثبت نتائج التضخم - وهي كلها موجودة عندنا - ولكنها لم ترد أن تقول بأن في مصر تضخما. فما هي الحقيقة إذن؟ وبماذا نكيف هذه الحالة وما سببها؟ السبب ما قالته اللجنة وهو وجود الجيوش الأجنبية المتحالفة في مصر، كيف هذا؟ إن الجيوش تصرف وتدفع لنا مقابل ما تصرفه؛ إذن هي تدفع نقدا في مقابل البضائع. والمطبعة المصرية تشتغل؛ إذن كيف يمكن أن يكون في مصر تضخم؟! منذ يومين عالج زميلي حضرة الشيخ المحترم عبد الرحمن الرافعي بك موضوع النقد في مصر وعالج هذه الحالة معالجة دقيقة بعد دراسة مسببة وعرض الحالة على حقيقتها فلا حاجة بي إلى أن أرجع إلى تكرار شيء مما قاله عن المبادئ الاقتصادية ولا عن تاريخ العملة في مصر لأني أوافقه على كل ما قاله.» ثم أفاض بهي الدين باشا في ضرر الأرصدة الإسترلينية واقترح عدة حلول لاستخلاصها.
وبجلسة 25 أبريل سنة 1945 رد أمين عثمان باشا وزير المالية على أقوالي وأقوال بهي الدين بركات باشا، فلم يزد عن عبارات عامة دعا فيها إلى الثقة في تعهدات «حليفتنا الكبرى»، قال: «وأود بهذه المناسبة أن أشير إلى ما أبداه بعض حضراتكم من التشكك في إمكان استردادنا بعد الحرب لما نداين به بريطانيا. ولعلي لست بحاجة إلى أن أذكر أنه لا محل مطلقا لهذا التشكك بل لمجرد التفكير فيه، بعد أن علقنا مصيرنا بمصير الديموقراطيات ووقفنا إلى جانبها في دفاعها عن الحرية والعدالة والمدنية. وبالنظر إلى ما هو معروف عن حليفتنا الكبرى من سلامة ماليتها وشدة محافظتها على تعهداتها ودقة وفائها بديونها مما يجعل ضمان هذه الديون في مرقى عن كل شك ...» كذا.
ولعمري ليس بمثل هذه الأقوال ولا بمثل هذه الروح تصان حقوق البلاد السياسية والمالية، وقد برهنت الحوادث على أن ديون مصر على بريطانيا من الأرصدة الإسترلينية بقيت طوال الحرب وبعد انتهائها قائمة لم توف منها إلا النزر اليسير.
استجوابي عن الأهداف القومية
يونيو-أغسطس سنة 1945
انتهت الحرب العالمية في أوروبا في مايو سنة 1945 حين استسلمت ألمانيا للحلفاء، وكانت وزارة المرحوم محمود فهمي النقراشي باشا الأولى تتولى الحكم، وكنت أرى واجبا عليها أن تبادر إلى المطالبة رسميا بأهداف مصر القومية، ولكنها تباطأت في هذه المسألة الهامة، فقدمت استجوابا في هذا الصدد إلى رئيس الوزارة.
كان هذا الاستجواب من أهم الاستجوابات التي نظرت في البرلمان، وقد اهتمت به الصحف واهتم به الرأي العام اهتماما كبيرا يتناسب مع خطورة موضوعه، ولأنه أول استجواب قدم في البرلمان عن هذه الأهداف بعد انتهاء الحرب العالمية مباشرة.
قدمت طلب الاستجواب إلى رئيس مجلس الشيوخ يوم 9 يونيو سنة 1945، وهذا نصه:
حضرة صاحب السعادة رئيس مجلس الشيوخ
تحية وسلاما. وبعد، فإني أرغب في استجواب حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء عن الأسباب التي دعت الوزارة إلى عدم المبادرة بالمطالبة بأهداف مصر الأساسية وفي مقدمتها الجلاء وتحقيق وحدة وادي النيل، ومتى يحين الوقت لتطالب بهذه الأهداف، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
صفحه نامشخص