خاطرات جغرافیایی در کشورهای سوریه
المذكرات الجغرافية في الأقطار السورية
ژانرها
Moines d’Occident, I, 142 : «إن الدين كما عزة السلاح كما فخر الآداب، كل ذلك قد جرى على سنة مقررة راهنة وناموس ثابت، فانتقل من الشرق إلى الغرب، بدأ التمدن وبدت القوة من الشرق على مثال النور، وكما أن النور لا يزال يزداد بهاء وحسنا على قدر ما يتقرب من الغرب، كذلك التمدن والعز زادا في الغرب بعد أن ظهرا في الشرق.»
فترى ما لسورية من النصيب العظيم في ترقي الشعوب، فإنها هي السابقة، والفضل كما قيل للمتقدم، فيجوز لكل رجل أن يعتبر سورية كوطنه الثاني؛ لأن منها نال حياته الأدبية إن لم ينل حياته الزمنية؛ ولهذا السبب لم تزل أوروبا توجه بألحاظها إلى البلاد التي منها أخذت مصدر حياتها العقلية والأدبية، وكان قدماء النصارى إذا صلوا جعلوا الشرق قبلتهم فيوجهون بأبصارهم إلى الأراضي المقدسة، وإلى الجلجلة وقبر المسيح.
وكان ضوء السحر يذكرهم بأسرار دينهم، وكانوا يطلبون أن تدار رءوسهم إلى الشرق في قبورهم؛ لترتاح عظامهم الهامدة بتوجيهها إلى منبع إيمانهم، هذا فضلا عن ألوف الألوف الذين لم يرغبوا في حياتهم إلا شيئا واحدا: زيارة تلك الأماكن المقدسة التي شرفها ابن الله بحياته وموته، فيتجشمون لذلك أعظم الأخطار ، ويقاسون أصناف الأتعاب بجل أمانيهم وقصوى بغيتهم، قال أحد هؤلاء الزوار في القرن الخامس عشر إبرهارد اللحياني
Eberhard Le Barbu
كنت بلاد فرتمبرغ: «إن ثلاثة أشياء لا يجوز الترغيب فيها ولا الرد عنها؛ وهي الزواج، والحرب، وزيارة الأراضي المقدسة؛ فإنها كلها ربما ابتدأت ابتداء حسنا، فتنتهي على غير المرغوب.» وفي قوله هذا إشارة إلى الصعوبات التي كان يلقاها زوار ذلك الزمان، على أن هذه الأنصاب والمخاطر لم تقو على ضبط جماهير الزوار الذين لم يزالوا منذ عهد قسطنطين الكبير يتواردون بلا انقطاع إلى الأراضي المقدسة، كما تشهد على ذلك أخبار رحلهم المتعددة، التي دونوها في أسفار شاعت في كل جهات المعمور وبين كل طبقات الناس. •••
وقبل ختامنا لهذا الفصل الذي كتبناه في موقع سورية وجعلناه كتوطئة لأبحاثنا في جغرافية الشام، ينبغي لنا أن نضيف إليه بعض ملحوظات عمومية.
من خواص الشام، كما سبق القول، أن لها حدودا ظاهرة وتخوما مقررة، وفي ذلك فائدة كبيرة؛ لأن تخوم البلاد بمثابة حدود الأملاك وحواجزها التي تصونها من كل تعد ومخاصمة. وفي الواقع ترى جهات الشام مفروزة عما سواها، فلا تستطيع أن تخلط بينها وبين البلاد المجاورة لها، كآسية الصغرى مثلا؛ لأن بين الشام والأناضول طودا شاهقا يفوق بارتفاعه جبال البيراناي الذي يفصل فرنسا عن إسبانيا، وهو أعظم مهابة منه، كذلك من جهة الشمال الشرقي نهر وهو الفرات، معدل عرضه 500 متر، يفصل الشام عن بلاد ما بين النهرين، أما الفاصل بين الشام ومصر وأنحاء العرب فبحر بلا ماء؛ أي البوادي القفرة الواسعة التي يسهل دونها قطع البحار، وقد بينا قبلا أن البحار صارت اليوم من أسباب الوصال، وهيهات أن يصدق ذلك في الصحاري والقفار.
وخلاصة الكلام أن بلاد الشام مجموع منفرد قائم بذاته، لا يمتزج بتخومه غيره، ليست كإنكلترة معتزلة عما سواها مفتوحة الثغور لمن يطلبها، لكن هذه العزلة لم تعرض بلاد الشام للفتور والخبل كما جرى لبلاد الصين وراء حائطها الكبير، بل قاسمت البلاد المتمدنة في حركتها، وناهيك بالحركة بركة وخصبا وترقيا، وقد أثبتنا فيما سبق أن الشام رأت من تقلبات الدول وفتوحاتها ما قل لبلد آخر أن يختبر مثله، فإن الأمم القديمة تجاوزت تلك التخوم، وخرقت تلك الحواجز، وعدت الشام كطعمة تتنازعها مطامع «ذباب مصر ونحل آشور» كما قال أشعيا النبي (7: 18). وكانت هذه الأمم تعتبر فتح الشام وفلسطين كأعظم فوز تفوز به؛ لأنها كانت تجد في هذه البلاد معبرا أكيدا لتصريف تجارة الهند في موانئ بحر الشام، وبابا واسعا لفتح أفريقية وآسية المتقدمة. وهذا الحكم قد خطر منذ نحو 5000 سنة على بال سرغون - أحد ملوك بابل - فأثبته في بعض مآثره.
وقد سبق لنا القول في سبب انتقال الحركة التجارية العمومية في عهدنا، فعلة ذلك أن القطب الذي عليه كان مدار الحركة التجارية لم يعد في مكانه مارا في وسط بلاد الشام، بل تحول عن ممره فصار يمتد في طريقين أخريين، إما في شرقي الشام وإما في غربيها، وليس هذا الخلل الوحيد الذي تدلنا عليه القوانين الجغرافية، فإننا نرى خللا آخر يضعف هذه البلاد تشير إليه الجغرافية أيضا. •••
تشبه سورية في هيئتها الطبيعية مربعا كبيرا يقيس طوله ثماني مرات عرضه؛ لأن طوله من جبل طورس إلى جبل سينا لا يقل عن 1100 كيلومتر، بخلاف عرضه الذي لا يتجاوز معدله 150 كيلومترا، وكل يعلم أن مثل هذا التباين في الأقيسة يضر بالموازنة، ويمنع الارتباط والوحدة بين جهات البلاد؛ لأن الجسم السياسي إذا امتدت أطرافه فبعدت عن مركز الحكم خف فعله فيها، ومن ثم ترى الأنحاء تطلب التفرد، فتضعف القوة العمومية، وهذا مما يظهر اليوم في بعض البلاد رغما عن الروابط العظيمة التي تستعين بها الدول في عهدنا لضم أطرافها وتوحيد عناصرها، كاحتكار القوة وتعميم التعليم والجندية الإلزامية، وغير ذلك مما تفردت به الدول الحالية، مثال ذلك ما تجده في إيطالية، فإن الحكومة الواحدة تحكم على بلاد مختلفة طبائع وأغراضا، كبلاد بيامنتي في الشمال وبلاد صقلية في الجنوب، وحتى الآن لم تقو الحكومة على مزج هذه العناصر المتباينة وتوحيدها.
صفحه نامشخص