وقال الخطابي : ذهب الأكثرون من علماء النظر. الى ان وجه الاعجاز فيه : من جهة البلاغة ، لكن ، صعب عليهم تفصيلها ، وصغوا فيه الى حكم الذوق.
قال : والتحقيق : ان اجناس الكلام مختلفة ، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة فمنها : البليغ الرصين الجزل ، ومنها : الفصيح القريب السهل ، ومنها الجائز المطلق الرسل.
وهذه اقسام الكلام الفاضل المحمود.
فالاول : اعلاها ، والثاني : اوسطها ، والثالث ادناها واقربها.
فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الاقسام حصة ، واخذت من كل نوع شعبة ، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف ، نمط من الكلام ، يجمع صفتى : الفخامة ، والعذوبة.
وهما على الانفراد في نعوقهما كالمتضادين : لأن العذوبة ، نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزعورة ، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر ، فضيلة خص بها القرآن ، ليكون آية بينة لنبيه (ص).
وانما تعذر على البشر ، الاتيان بمثله ، لامور :
منها : ان علمهم لا يحيط بجميع اسماء اللغة العربية واوضاعها التي هي ظروف المعانى ، ولا تدرك افهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه المنظوم ، التى بها يكون أئتلافها وارتباط بعضها ببعض. فيتواصلوا باختيار الافضل من الاحسن من وجوهها ، الى ان يأتوا بكلام مثله. وانما يقوم الكلام بهذه الاشياء الثلاثة :
صفحه ۱۹۶