184

قال الجاحظ : بعث الله محمدا (ص)، واكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ، وأحكم ما كانت لغة ، وأشد ما كانت عدة ، فدعا اقصاها وادناها الى توحيد الله : وتصديق رسالته.

فدعاهم بالحجة ، فلما قطع العذر ، وازال الشبهة ، وصار الذي يمنعهم من الاقرار : الهوى والحمية دون الجهل والحيرة ، حملهم على حظهم بالسيف ، فنصب لهم الحرب ونصبوا له ، وقتل من عليتهم ، واعلامهم ، واعمامهم ، وبني اعمامهم.

وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ، ويدعوهم صباحا ومساء الى ان يعارضوه ان كان كاذبا ، بسورة واحدة ، او بآيات يسيرة.

فكلما ازداد تحديا لهم بها ، وتقريعا لعجزهم عنها ، تكشف عن نقصهم ما كان مستورا ، وظهر منه ما كان خفيا.

فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة ، قالوا له : انت تعرف من اخبار الامم ما لا نعرف ، فلذلك يمكنك مالا يمكننا.

قال : فهاتوها مفتريات.

فلم يأت ذلك خطيب ، ولا طمع فيه شاعر ، لتكلفه ، ولو تكلفه لظهر ذلك ، ولو ظهر ، لوجد من يستجيده ، ويحامي عليه ، ويكابر فيه ، ويزعم : انه قد عارض ، وقابل ، وناقض.

فدل ذلك : على عجز القوم مع كثرة كلامهم ، واستحالة لفتهم وسهولة ذلك عليهم ، وكثرة شعرائهم ، وكثرة من هجاه منهم ، وعارض شعراء أصحابه ، وخطباء امته.

لان سورة واحدة ، وآيات يسيرة ، كانت انقض لقوله ، وافسد

صفحه ۱۸۶