في الفصاحة ، وهكذا ... فلا ريب في ان التكرار مع مراعاة الفصاحة من مؤكدات الاعجاز لا منافياته ، سيما اذا اشتملت العبارة الثانية على فوائد زائدة على فائدة العبارة الاولى ، واشتمل كل منهما على فائدة لا يشتمل عليها الآخر : كما هو الحال في القرآن المجيد على ما سنشير اليه.
فان قيل : هذا الذي ذكرت لا يتم في بعض الآيات المكررة باللفظ والمعنى بعينها : مثل قوله تعالى : « فبأي آلاء ربكما تكذبان » في سورة الرحمن ، وقوله تعالى : « ويل يومئذ للمكذبين » في سورة المرسلات.
قلت : ما يكون من ذلك القبيل ففيه اسرار اخر : مثل التأكيد والتقرير المناسبين في مقام رفع الافكار الشديدة ، وهذا بعينه طريق المحاورات العرفية ، حيث يؤكدون الشيء الواحد بتكرار لفظه او مرادفه وحينئذ يسميه النحاة (التأكيد اللفظي) ألا ترى انه لو انعمت على عبد من عبيدك بنعم جسام تقتضي ان يطيعك بأعلى مرتبة الا طاعة ، فيؤاخذك بضد مقصودك ، فلا يزال يعصيك وينكر نعمتك ، فاردت اثبات انعامك عليه ، فطريق المحاورة في مقام الالزام. ان تعد النعم واحدة واحدة ، وترده فيما صنعه ، مثل ان تقول : ألم اربك وليدا فهذا نعمة ام لا؟ ألم اطعمك بلذائذ الطعام ، فهذا نعمة ام لا؟ ألم البسك الأثواب الفاخرة ، فهذا نعمة ام لا؟ وهكذا الى ان يسكت ويقر باستحقاقك الا طاعة ، ولو عاقبت عبدا من عبيدك عصاك بألف معصية ، بعقوبة يلومك بها كل الناس لعدم اطلاعهم على حقيقة الأمر ، فتقول فى مقام اظهار العذر واثبات الاستحقاق : ان هذا العبد سرق
صفحه ۱۱۱