168

معين الحكام

معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام

ناشر

دار الفكر

شماره نسخه

بدون طبعة وبدون تاريخ

ژانرها

فقه حنفی
الْغَرَضُ مِنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً وَنَكَالًا وَعِظَةً لِأَهْلِ الْجَهْلِ، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا وَلَكِنَّ الْقِصَاصَ حَجَزَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَخَصَّ أُولِي الْأَلْبَابِ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ عَامًّا؛ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْعُقُولِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ. ثُمَّ قَالَ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يَعْنِي الدِّمَاءَ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى -: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] الْآيَةَ لِيَزْدَجِرَ النَّاسُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ قِتَالُ الْخَوَارِجِ وَالْمُحَارِبِينَ وَالْكُفَّارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ. وَفِي قِتَالِ الْكُفَّارِ زِيَادَةُ مَعْنًى، وَهِيَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَمَحْوُ الشِّرْكِ. الصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْأَحْكَامِ: شَرْعٌ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ كَحَدِّ الزِّنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] وَانْظُرْ هُنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ وَلَا نَفْيٍ وَجَلْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سِيَاسَةً. الصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَحْكَامِ: شَرْعٌ لِصِيَانَةِ الْأَعْرَاضِ؛ لِأَنَّ صِيَانَتَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَغْرَاضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] وَأَلْحَقَ الشَّرْعُ بِذَلِكَ التَّعْزِيرَ عَلَى السَّبِّ وَالْأَذَى بِالْقَوْلِ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. الصِّنْفُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَحْكَامِ: شَرْعٌ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الْجِنَايَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨] . الصِّنْفُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَحْكَامِ: شَرْعٌ لِحِفْظِ الْعَقْلِ كَحَدِّ الْخَمْرِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى -: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: ٩٠] ثُمَّ قَالَ ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١] وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِحَدِّ الشَّارِبِ. الصِّنْفُ السَّادِسُ مِنْ الْأَحْكَامِ: شَرْعٌ لِلرَّدْعِ وَالتَّعْزِيرِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] إلَى قَوْله تَعَالَى -: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ [المائدة: ٩٥] أَيْ: لِيَذُوقَ جَزَاءَ فِعْلِهِ، وقَوْله تَعَالَى -: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة: ٢] إلَى قَوْلِهِ ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] ثُمَّ شُرِعَ كَفَّارَةُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى -: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ [المجادلة: ٣] إلَى قَوْلِهِ ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ٤] وَقَوْلُهُ تَعَالَى -: ﴿وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] الْآيَةَ، وَقِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ مَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ غِفَارٍ أَقْبَلَا يُرِيدَانِ الْإِسْلَامَ، حَتَّى إذَا كَانَا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ أَمْسَيَا فَبَاتَا، وَأَتَى أُنَاسٌ بِظَهْرٍ لَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاتُوا قَرِيبًا مِنْهُمَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ السَّحَرِ قَامُوا لِيَذْهَبُوا فَفَقَدُوا قَرْنَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ فَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيِّينَ، فَأَخَذُوهُمَا فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَحَبَسَ الْوَاحِدَ وَأَرْسَلَ الْآخَرَ يَطْلُبُ فَوَجَدُوهُمَا قَرِيبًا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي بَاتُوا فِيهِ فَأَتَوْا بِهِمَا، فَقَالَ الْغِفَارِيَّانِ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كُنَّا لَبُرَآءَ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اسْتَغْفِرَا لِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَلَكَ يَغْفِرُ اللَّهُ وَقَبِلَكَ فِي سَبِيلِهِ، وَقَالَ لِلْآخَرِ اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنْ كُنَّا لَبُرَآءَ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: اسْتَغْفِرْ لِرَسُولِ اللَّهِ وَيْحَكَ، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» . وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ أَخْذِ الرَّجُلِ

1 / 170