معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان
ژانرها
وهذه الخلائق هي موضوع البحث فيما يلي من الفصول قبل الكلام على نشأته، وعمله وموجز تاريخه وصفوة الرأي فيه.
الدهاء
إذا تحدث الراوية العربي عن صفة من الصفات العامة بلغ بها حد الاستقصاء، فأثبت في روايته كل ما يقع عليه الحس من أخبار تلك الصفة، وذكر لنا الأعلام المشهورين بها، والحوادث التي دلت عليها، والأقوال التي قالوها أو قيلت عنهم بصددها، والفوارق التي يختلفون بها فيما بينهم، والألقاب التي أطلقت عليهم من جرائها، ولم يتركوا مرجعا من مراجع الدراسة التي يحتاج إليها الباحث العصري في استقصائه الحديث بعد استقصائهم القديم، إلا تحليل الصفات على حسب عواملها النفسية، فإنه باب لم يطرقوه ولم يطرقه أحد غيرهم من الأقدمين في الأمم، وعذرهم في ذلك واضح لا تلزمهم بعده حجة: عذرهم أن التحليل النفسي كله دراسة حديثة تركبت على دراسات علمية، أو فكرية أخرى لم يكن للأقدمين عهد بها إلى ما قبل بضعة قرون.
كذلك تحدث لنا الراوية العربي عن شجعان العرب، وفرسان العرب، وأجواد العرب، وصعاليك العرب، ودهاة العرب في الإسلام، ودهاة العرب في الجاهلية، وكل ذوي الشهرة في صفة من الصفات العامة التي تتعلق بها الروايات، وتتناقل بها الأخبار.
ويبدو لنا - ونحن نقرأ كلامهم عن دهاة العرب - أنهم كانوا «مولعين» بتلك الصفة خاصة، يتحدثون بها ويستطيبون حديثها ويتزيدون فيه كلما استطاعوا، كأنهم يجاوزون بالدهاء حد الإعجاب إلى حد التمني والعطف والمشاركة في الشعور، وعذرهم في هذا أيضا واضح من تاريخهم وتواريخ منازعاتهم ومصالحاتهم، فإنهم كانوا يتفقدون فيها الدهاء جميعا فيجدونه حينا ولا يجدونه حينا آخر، ولكنهم كانوا يجدون الشجاعة والفروسية في كل حين.
وسبب آخر من أسباب الولع بالحديث عن الدهاء أنه أصبح كفؤا للشجاعة، أو راجحا عليها في موازين الصفات الاجتماعية، فإذا عيب رجل من رجالهم بقلة الشجاعة؛ وجد العزاء - وفوق العزاء - بشهرة الدهاء أو دعواه إن لم يكن قد بلغ بدهائه مبلغ الشهرة الذائعة الصيت.
فالدهاء عندهم كان مزية، وضرورة، وعزاء، وغطاء للخوف والجبن، ودعوى سهلة لمن يدعيها بغير برهان ... أما الشجاعة فبرهانها حاضر لا سبيل للمغالطة فيه ...
ولهذا يتزيد الرواة كثيرا في أحاديث الدهاء، ويوشك أن يجعلوه صفة من الصفات «السلبية»، التي تقترن بنقص الشجاعة حيث نقصت في مجال الغضب، أو مجال الصولة والقتال، وكاد القارئ يفهم - بداهة - من صوف رجل بالدهاء أنه رجل لا صولة له ولا خوف من غضبه وبأسه، وإنما الخوف مما يحتال به أو يكيد.
وكثير من أحاديثهم عن الدهاء يدخل في عداد هذه المعاذير أو هذه الخلال المتشابهات، ولكنهم إذا اتفقوا على دهاء رجل في سيرة حياته بحذافيرها،
1
صفحه نامشخص