معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان
ژانرها
ونستطيع أن نعمم القول بغير استثناء على كل مسعى من مساعيه، وكل حيلة من حيله وكل مأثرة من مآثره، فنقول: إن المصلحة الذاتية أو مصلحة الأسرة والعشيرة كافية لتعليلها والقيام بها، وإنه لم يعارض المصلحة الذاتية بإرادته في حين واحد، وعارض المصلحة العامة في أحيان، كان رجلا قديرا ولكنه لم يكن بالرجل العظيم.
ومهمة المؤرخ في سيرته أن يقدر قدرته، وأن يعرف ما اقتدر عليه بسعيه وتدبيره، وما اقتدر عليه بمساعدة الزمن وممالأة الحوادث والمصادفات ...
وهذه المهمة تتقاضانا «أولا» أن نجمل القول في جميع التمهيدات التي مكنته من الاقتدار على مقاصده، ومنها ما كان سابقا للإسلام وسابقا لمولده، ومنها ما تم قبل ملكه، وما تم في أثناء ملكه إلى ما بعد موته ...
وتتقاضانا هذه المهمة «ثانيا» أن نزن المواهب العقلية والخلقية، التي اشتهر بها وأسند إليها ما أسند من أسباب نجاحه.
فنبدأ الكلام في الفصول التالية بالتمهيدات التاريخية من قبل الإسلام إلى قيام الدولة الأموية، ثم نتلوها بتحليل الأخلاق والمواهب التي تعد من وسائل نجاحه ...
ونلاحظ في ذلك كله أن «نقدر القدرة» التي ثبتت لهذا الرجل القدير من وراء المدائح والأهاجي، ووراء الدعاية له والدعاية عليه.
ونحسب أننا وفينا بهذه الأمانة إذا انتهينا من هذه الصفحات إلى الوزن الصحيح، الذي يوزن به رأس الدولة الأموية، ويوزن به غيره من أعلام التاريخ.
تمهيدات الحوادث
بدأ التمهيد لبني أمية في الشام قبل الإسلام بجيلين متعاقبين، وكانت الشام قبل ذلك سوقا عامة لقريش، تأتيها قوافل الصيف بتجارة الحجاز في حراسة الرؤساء من بيت مناف على الأكثر، وأظهرهم في الجيل الذي سبق الدعوة النبوية هاشم بن عبد مناف.
ولم يكن رجحان هاشم بالرئاسة والثروة حائلا بين الأمويين وغشيان الشام للتجارة والإقامة بين المدن والبادية فيها، بل كان هذا الرجحان - فيما اتفقت عليه الأخبار - سببا لهجرة أمية من مكة، وإقامته بالشام عشر سنين؛ إذ تنافر هاشم وأمية وتنافسا على الرئاسة، واحتكما إلى الكهان كعادتهم على أن يكون للغالب إجلاء المغلوب عن مكة عشر سنين، فقضى المحكمون لهاشم على أمية، وخرج أمية إلى الشام فاختارها مقاما له خلال هذه السنين، وربما كان ضيقه بالزعامة المعقودة لهاشم في مكة من دواعي الهجرة قبل الحكم عليه في قضية المنافرة المشهورة، وهي قضية قد تصح بتفصيلاتها أو لا تصح إلا بجزء منها، ولكن هجرة أمية إلى الشام لم تكن مما اختلف عليه المختلفون.
صفحه نامشخص