جهتگیری سیاسی مصر در دوران محمد علی: بنیانگذار مصر مدرن
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
ژانرها
ولم يعد هذا العميد الحقيقة عندما عزا نجاح إبراهيم إلى عزيمته التي لا تفل أو على الأصح قسوته حيال معارضيه، وإلى إشرافه على خزانة الأموال وإلى ما كان له من حسن السمعة وشدة المحافظة على وعوده؛ وهي خلال ثلاث لا مناص منها لبسط نفوذ الإنسان بين القبائل العربية،
23
ثم إن إشرافه على مرءوسيه كان في الوقت نفسه يخالف كل المخالفة تساهل طوسن حيالهم. وقد ضرب لنا صولت مثلا على صحة هذا الأمر، فقال: «إن المدعو حسن أغا المشرف على شئون حدود الحجاز وقع في كمين؛ فبدلا من أن يكون أول الفارين إذا بالأغا يطلق النار على جواده فيرديه أمام خط القتال، وبذا شارك الأغا مصير رجاله.»
24
ولعمري إذا كان في استطاعة إبراهيم أن يثير في نفوس رجاله مثل هذا الشعور الشريف بالواجب فجدير به أن ينجح.
أما عبد الله بن سعود، فقد خيل إليه أنه في مأمن من طوارئ الحدثان؛ لوجوده في معقله الصحراوي في الدارعية، على أن إبراهيم سرعان ما زحف بعد أن أتم خططه وأكمل استعداده، وقد واصل زحفه لا كفاتح، ولكن كصديق وحام، ولم يكن هناك أي توازن في دفع ما يطلبه الجيش من قرب المياه أو التمر أو الخشب.
ثم إن ما سنه من النظام القاسي حال دون ما اعتاده الجنود من أعمال السلب وارتكاب المحظورات، وكان جديرا بأن يكسب بهذا التصرف شيئا من التأييد الذي كان من نصيب الجيش الإنجليزي أثناء زحفه في الهند. ولكن برغم هذا كله فإن الحملة قد أبهظ عاتقها ما كان يحيط بها من المصاعب الناشئة عن طول طرق المواصلات، وارتكازها على القاعدة البحرية في جدة. وفي الحق أن ما لا يقل عن 80000 بعير قد استخدمت في صيانة طرق المواصلات،
25
ولم يكن لدى إبراهيم عندما وصل إلى الدارعية سوى 6000 جندي فقط. وقد لبث أمام المدينة ثلاثة أشهر كاملة دون أن يستطيع شيئا، ومما زاد الطين بلة أن مخزن الذخيرة انفجر بفعل النار. ونحسب أن قائدا غير إبراهيم كان يهون عليه في ظروف حرجة كهذه أن يقود جنوده إلى أعمال النهب وسفك الدماء على طول خط التقهقر، ولكن إبراهيم احتفظ بمكانته وصمد لهجمات العدو إلى أن وصلته الإمدادات والذخيرة من جديد، ومن ثم أخذ يضيق الحصار، وأخيرا تمكن من الاستيلاء على القلعة في سبتمبر سنة 1818م، وقبض على زعيمين من مشايخ الوهابيين، فحلق لحيتيهما المرسلتين، وطمر أسنانهما، وجعلهما أضحوكة أمام الناس،
26
صفحه نامشخص