جهتگیری سیاسی مصر در دوران محمد علی: بنیانگذار مصر مدرن
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
ژانرها
بعد أن دانت لمحمد علي الأمور وأصبح حاكم مصر الفعلي والأسمى، مرت فترة من الزمن تبلغ العشرين ربيعا، فدفعت به الظروف إلى أن يظهر بوجه عام بمظهر الخادم المخلص والعبد النشيط المطيع لأوامر مولاه صاحب الجلالة سلطان الروم والخليفة ظل الله في الأرض ... على أن طاعته هذه لم تكن حقيقية، كما أن غيرته كانت مصطنعة. وأغلب الظن أنه منذ أول يوم خطرت له فكرة أن الاستيلاء على حكومة مصر ليس بالأمر الذي لا يمكن تحقيقه عمليا؛ فإنه شرع يغذي الأمل في أن يحكم وادي النيل يوما ما، لا كنائب عن سيد آخر، بل كحاكم مستقل.
نعم؛ كان طاهر باشا زميله في حمل السلاح يحلم بالحكم المستقل، ولكن مواظبة محمد علي قد حققت هذا الحكم، فأخرجه من حيز التفكير إلى حيز العمل. ولقد عرض الزعيم الألماني على الإنجليز في سنة 1812م،
1
كما عرض على الفرنسيين في سنة 1810م
2
عقد محالفة فيما لو اعترف به هؤلاء أو أولئك حاكما للقاهرة، لا بل لقد عرض فعلا على ديوان الآستانة سنة 1810م أن يكون شأنه كشأن حكام ولايات البربر في شمال أفريقيا.
3
ولكن الإنجليز والفرنسيين رفضوا الاقتراح المذكور؛ مراعاة للحالة السائدة في أوروبا وقتئذ من ناحية، واحتراما لما بينهم وبين السلطان من المحالفات من الناحية الأخرى. ويلوح أن محمد علي لم يقدر تماما ما تقاضاه السلطان ثمنا للإنعام الذي طلبه زعيم الألبانيين، على أن هذا الفشل من آن لآخر لم يفت في عضده ولم يحوله عن رأيه، بل أدى فقط إلى حمل محمد علي على إخفاء نياته وكتمانها، ولقد كان من شأن إخفاقه في عقد التحالف مع إحدى الدولتين الأوروبيتين سالفتي الذكر، أنه امتنع عن مناصبة الباب العالي العداء، ومع أنه قلما أطاع ما صدر إليه من الأوامر إلا إذا كان من الممكن تحويله إلى تعزيز نفوذه وتوطيد مركزه؛ فإن تصريحاته العلنية كانت دائما، والحق يقال، تصريحات التابع الموالي المخلص. وبالجملة، فقد كان ثمة خلال هذه الفترة خلاف حاد بين ما يجاهر به محمد علي علنا وبين الغاية الحقيقية التي كان يرمي إليها سرا.
ولقد كانت الحالة الداخلية في الإمبراطورية العثمانية كثيرة الشبه وقتئذ بحالة إمبراطورية المغول في أوائل القرن الثاني عشر؛ فقد نخر السوس عظامها سواء بسواء، فديوان الآستانة كقصر المغول من قبله كان قد أصبح ولا شاغل له إلا شئون الوزراء الخصوصية والمصالح الفردية لكل منهم، ثم إن باشوات الإقليم التركية كنواب حكام المغول لم تكن تربطهم بالحكومة المركزية إلا روابط واهنة.
وقد كانت بغداد والقاهرة عاصمتين منفصلتين، كما كانت حيدر أباد ولكناو من قبل، ولكن كان ثمة فارق فيما يحيط بالإمبراطوريتين المتداعيتين من العوامل السياسية، فإن جيران المغول من قبائل ماراتا أو الأفغان كانوا بعيدين بعضهم عن بعض، ثم إن تصرفاتهم السياسية كانت مسيرة إلى أبعد حد بقانون الطبيعة، بحيث أن كلا الفريقين لم يحجم عن الاستيلاء على دلهي إلا خوفا من أن يخرج الفريق الآخر بنصيب الأسد من الغنيمة، أما أملاك السلطان فقد كانت - على العكس من ذلك - متاخمة لسلسلة من الدول الأوروبية، مرتبطة فيما بينها بعدة روابط كل منها متيقظة تمام التيقظ لتوسع الأخرى وانتشار نفوذها، فكانت النتيجة أن إمبراطورية المغول، بينما تركت وشأنها إلى أن تحللت بفعل العوامل الطبيعية وضربت فيها الفوضى أطنابها، فإن الأملاك العثمانية ظلت متماسكة بفعل المؤثرات الخارجية أمدا طويلا حتى بعد أن زال تماسكها الداخلي. من أجل هذا كان تصرف محمد علي بصفته دعامة الإمبراطورية مدفوعا بهذا الاعتبار.
صفحه نامشخص