127

جهت‌گیری سیاسی مصر در دوران محمد علی: بنیان‌گذار مصر مدرن

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

ژانرها

ذلك كان شأن الحكومة التي ورثها محمد علي وألفها ونشأ في ظلالها في ولاية ألبانيا، وليس من شك في أن استتباب الأمر له في مصر قد صيره حاكما أوتوقراطيا، ونحسب أن أحدا لا يدهش لقبوله لتلك التركة، أو أنه سلك في بعض الأحيان نفس المسلك الذي كان لا ينتظر أن يحيد عن أسلافه، ولقد قيل إن الجبرتي - صاحب التاريخ المعروف - لقي حتفه خنقا وهو عائد من قصر شبرا إلى القاهرة في إحدى ليالي شهر يونيو سنة 1822م، وقد ربطت جثته إلى أقدام أتانه، وتهامس الناس بأن الباشا قد ضاق ذرعا بانتقادات الجبرتي اللاذعة،

4

كما قيل إن الذي كان يعهد إليه بنقل خطاب سري كان يجازى بإلقائه في نهر النيل كضمان على عدم إفشاء السر إذا كان قد عرفه.

5

ولقد ظل الباشا إلى أواخر أيامه والنزعة الأوتوقراطية متمكنة من نفسه، ولم يكن لأعيان الإسكندرية ميل لإرسال أولادهم إلى باريس للتعليم، فاستعاضوا عن الأولاد الذين طلبهم محمد علي منهم بأبناء البوابين وما شاكلهم من أبناء الطبقات الدنيا. ولما سمع الباشا بما فعله الأعيان قال في شيء من الغضب الممزوج بالاستغراب: «إذا كان هؤلاء الأشخاص يجهلون مزايا التعليم والتجارة فليسوا أهلا إلا لحمل الأثقال على ظهورهم كالشيالين والحمير.» ومن ثم أصدر أمرا عاليا بأن يعمل كل إنسان بنفسه كائنا من كانت طبقته في إزالة تلال الأوساخ والقمامة المحيطة بالمدينة؛ ومن ثم كنت ترى أصحاب الحوانيت والتجار والكتبة العموميين ورجال الدين يحملون على ظهورهم في أيام معينة سلالا مملوءة طينا وهم غارقون في لجنة لم يألفوها من العرق.

6

ولم يكن الباشا الحاكم الشرقي الأوتوقراطي بحكم الميراث فقط بل كان كذلك بحكم البيئة أيضا، فإذا استثنينا العنصر الأوروبي الضئيل العديم الحيثية، ويدخل فيه القناصل العموميون وبعض التجار الإنجليز والفرنسيون وشراذمة الموظفين الفرنسيين الذين كانوا يعملون في الإدارة المصرية نقول إذا استثنينا هؤلاء لألفينا الباشا إنما يعيش في وسط شعب لم يكن يتوقع ولا يرغب في شيء عدا الإدارة الأوتوقراطية، وأنت تعلم أن الحاكم الأوتوقراطي هو دائما بمعزل عن شعبه.

على أن محمد علي لم يكن تفصله عن شعبه سلطته غير المحدودة فحسب، بل كانت تضاف إليها سياسته ونواياه؛ ولهذا قال مرة للدكتور بورنج الذي هبط مصر لوضع تقرير عن سير الحركة التجارية في سوريا ومصر ما معناه: «أرجو ألا تحكموا على أعمالي بمقاييس المعارف عندكم، بل ينبغي أن بيني وبين ما يخيم حولي من الجهل المطبق ... فبينما توجد لديكم طائفة من الأذكياء النابهي الذكر لا أكاد أجد حولي من يفهمني ويعمل على تنفيذ أوامري، وكثيرا ما يخدعني الناس وأنا أعلم أنهم يخدعونني، ولست أعدو الحقيقة إذا صرحت أنني كنت وحيدا طيلة حياتي أو على الأقل الشطر الأكبر منها.»

7

وكان ما يظهر في خلال حكم محمد علي من أعمال صالحة من صنع الباشا نفسه دائما، وبالعكس كانت الأعمال السيئة في الأغلب من عمل أشخاص اضطر إلى استخدامهم لعدم وجود من يفوقونهم علما وذكاء، وقد كانوا من الموظفين الذين لا يتعففون عن ارتكاب الموبقات لإشباع شهواتهم في الحصول على المال،

صفحه نامشخص