وكان جماعة من أعدائه قد شنعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله، فلما خرج سالما أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته ويقول لهم أن يصنعوا له قطا وفراخ وحمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم، وإنما كان غرضه بذلك تطبيب قلوبهم بعافيته.
ثم المنصور فيما بعد نقم على أبي الوليد بن رشد، وأمر بأن يقيم في اليسانة - وهي بلد قريب من قرطبة وكانت أولا لليهود - وأن لا يخرج منها، ونقم أيضا على جماعة أخر من الفضلاء الأعيان، وأمر أن يكونوا في مواضع أخر، وأظهر أنه فعل بهم ذلك بسبب يدعي فيهم أنهم مشتغلون بالحكمة وعلوم الأوائل، وهؤلاء الجماعة هم: أبو الوليد بن رشد وأبو جعفر الذهبي، والفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم قاضي بجاية، وأبو الربيع الكفيف، وأبو العباس الحافظ الشاعر القرابي، وبقوا مدة، ثم إن جماعة من الأعيان بإشبيلية شهدوا لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه، فرضي المنصور عنه وعن سائر الجماعة، وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارا للطلبة ومزوارا للأطباء، وكان يصفه المنصور ويشكره ويقول: إن أبا جعفر الذهبي كالذهب الإبريز الذي لم يزدد في السبك إلا جودة.
قال القاضي أبو مروان: ومما كان في قلب المنصور من ابن رشد أنه كان متى حضر مجلس المنصور وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطب المنصور بأن يقول: تسمع يا أخي ... وأيضا فإن ابن رشد كان قد صنف كتابا في الحيوان وذكر فيه أنواع الحيوان ونعت كل واحد منها، فلما ذكر الزرافة وصفها، ثم قال: وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر - يعني المنصور - فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه، وكان أحد الأسباب الموجبة في أنه نقم على ابن رشد وأبعده.
ويقال: إن مما اعتذر به ابن رشد أنه قال: إنما قلت: ملك البرين وإنما تصحفت على القارئ، فقال: ملك البربر.
وكانت وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد - رحمه الله - في مراكش أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وذلك في أول دولة الناصر، وكان ابن رشد قد عمر عمرا طويلا، وخلف ولدا طبيبا عالما بالصناعة، يقال له: أبو محمد عبد الله، وخلف أيضا أولادا قد اشتغلوا بالفقه واستخدموا في قضاء الكور.
ومن كلام أبي الوليد بن رشد، قال: من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانا بالله. (4) تاريخ الإسلام للذهبي (حسب رينان ...
Renan, Averroès ، ص456-460)
من مخطوط باريس، المكتبة الأهلية رقم 1582 ق80ظ
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد القرطبي، حفيد العلامة ابن رشد الفقيه، ولد سنة عشرين قبل وفاة جده أبي الوليد بشهر واحد، وعرض الموطأ على والده أبي القاسم، وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وأبي القاسم بن بشكوال وجماعة.
صفحه نامشخص