192

منهج الاعتدال

منهج الاعتدال

ناشر

دار التابعين بالرياض

محل انتشار

٢٠٠٢

ژانرها

ولا يعلم أيتقي أم يفجر إن خاصم، ويؤدي الأمانة أم يخون! إلا بعد أن يخاصم ويؤتمن.
ولا يعلم المرء أيكون عادلًا أو ظالمًا إذا أمر، وحكيمًا قديرًا أم أرعنًا غرًا إذا تولى! إلا بعد أن يتولى ويُؤَّمر.
ولا يعلم أيكذب في الأخبار، ويتثبت في الأنباء، ويغتاب العلماء، ويجرح الدعاة! إلا بعد أن يتعرض لهذا.
ولذلك يتنوع الابتلاء، وتتنوع الفتن، فتارة تكون بين المسلمين وأعدائهم كما حصل في أحد وحنين ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [محمد: (٤)].
وتارة تكون بين المسلمين أنفسهم، كما حصل في فتنة عائشة، وفتنة علي ومعاوية ﵃ أجمعين، وكذلك يحصل بين الشيوخ، وهذا ما يسميه العلماء (كلام الأقران) قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ...﴾ [الفرقان: (٢٠)].
وتارة تكون في المال أو النفس أو الأهل، أو الدين ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: (١٨٦)].
وعلى هذا فالراشد من أدرك سر الفتن وأسبابها وأحكامها وغاياتها، فتصرف فيها كما أمر الله باتباع الدليل والوقوف عند حدوده، والإنصاف مع القريب والبعيد، ثم عصم يده ولسانه.
والخاسر من اتبع هواه وعاطفته، وتصرف من غير ضوابط شرعية، فانتقم لنفسه وتعصب للشيوخ، ونافح عن الأحزاب، وحرف الكلام عن مواضعه، ونشر الفتنة بين العباد، ولم يفرق بين حق وتزيين، وبين شيخ ودليل، فأثم حينئذ وهلك ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: (٤٢)].
فكن يا عبد الله راشدًا متثبتًا، وللحق طالبًا متبعًا، وبين الخلق منصفًا، ولا تكن -إذا خاصمت- فاجرًا، وللشيخ والبلد متعصبًا، وعن الحزب أو الجمعية منافحًا، وفي الحكم

1 / 195