مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
ژانرها
110-188
30-60
65
والخلاصة: أن المياه الجارية في السودان تتركب من المصادر الآتية في السنوات الاعتيادية: نحو 14-16 مليارا من المياه هي كل تصريف المنابع الاستوائية وبحر الغزال؛ لأن الفاقد في مستنقعات السدود فعلا وعملا كبير جدا. ويضاف إليها نحو 11-12 مليارا هو تصريف نهر السوباط، بعد أن تفقد الكثير من مياهه في مستنقعات مشار، وهذان المصدران هما مياه النيل الأبيض من ملكال حتى سد جبل الأولياء جنوب الخرطوم. وعند الخرطوم يتلقى النيل نحو 48-53 مليارا من النيل الأزرق، وروافده تنصرف شمالا لتلتقي بمياه نهر العطبرة التي تقدر بنحو 10-12 مليارا، وفي النهاية فإن مجموع المياه الواصلة لمصر عند أسوان تبلغ نحو 70 مليارا، بعد أن يفقد نحو 10-13 مليارا بالبخر في الرحلة الطويلة من الخرطوم إلى أسوان ومن سطح بحيرة ناصر مخترقا صحاري شديدة الحرارة معظم السنة، ربما هي «قطب الحرارة» في العالم. وتقدر مساهمة مصادر المياه عند أسوان على النحو التالي: 59٪ من النيل الأزرق، و14٪ من السوباط، و13٪ من العطبرة، و14٪ من أعالي النيل الاستوائية بعد بحر الغزال، وعلى هذا فإن المياه الإثيوبية في مجموعها تكون 85٪ من المياه عند أسوان، وهي نسبة لا تحتاج إلى مزيد التأكيد على مدى حيوية وأهمية الروافد الحبشية لمصر والسودان معا.
15
وهنا لا يجب أن ننسى كمية كبيرة من الأمطار الساقطة في أنحاء مختلفة من السودان تقدر بنحو 1094 مليار متر مكعب، أكثرها يسقط في الجنوب وبعضها يستغل بصور عديدة للزراعة والرعي واحتياجات السكن القروي والمدني في هذا، إلى جانب شبكة التصريف النهري الكبيرة في منطقة بحر الغزال. أما دارفور وكردفان في الغرب، فهي مناطق أمطار ذات قدر معقول وبعيدة كل البعد عن أي استخدام ممكن لمياه النيل ولو بتكلفة شديدة الارتفاع، وينطبق على شرق السودان ما يجري في الصحاري المصرية الشرقية: من حيث الجفاف العام، وعدم القدرة على أي شكل من الاستخدام الاقتصادي لمياه النيل. ولكن قدر الأمطار الساقطة على جبال البحر الأحمر السودانية أكبر من مثيلتها في مصر، فضلا عن أن الأطراف الجنوبية من شرق السودان تطولها أمطار الحبشة الموسمية بدرجة كافية لمسيرة مسيلات وأنهار قصيرة، يمكن استخدامها بالحجز لأغراض اقتصادية متعددة. وهذه المنطقة مليئة بنمو غابات وأشجار من فصائل متعددة كرمز لكثافة التساقط المطري وبخاصة إلى الجنوب من سهل البطانة.
وعلى هذا تنقسم السودان إلى قسمين: الشمالي المحيط بوادي النيل من إقليم الجزيرة إلى الحدود مع مصر، والأوسط والجنوبي. والقسم الشمالي هو أكثر الأقسام تشابها مع مصر من حيث الاعتماد على مياه النيل فقط، لكنه يختلف بارتفاع أكبر في درجة الحرارة، مما يؤدي إلى ضرورة ارتفاع في قدر احتياج النبات من المياه. وباستثناء إقليم الجزيرة ومنطقة دنقلة، فإن الأراضي الصالحة للزراعة ضيقة جدا وتتخذ على الأغلب شكل جيوب صغيرة منفصلة عن بعضها. ويسقط من المطر على الجزء الجنوبي من هذا القسم كمية لا بأس بها تساعد على ري النباتات. لكن القسم برمته يحتاج إلى مشروعات ري سواء كانت سدودا وخزانات - الرصيرص وسنار وجبل الأولياء، أو محطات طلمبات - وهي كثيرة في الشمال - تحل محل السواقي التقليدية التي لا تظهر إلا في المساحات الزراعية الصغيرة.
ولقد قامت السودان بمحاولات جدية من أجل استخدام أنواع من المياه في التنمية. في شرق كردفان حفرت آبار كثيرة من أجل تحسين مصادر المياه لاستخدام الرعاة وزراعة بعض المحاصيل، وفي جبال النوبا في جنوب كردفان حيث تتوفر الأمطار أدخلت الزراعة الآلية، وفي خشم القربة قرب الحدود مع إثيوبيا أقيم مشروع للري على مياه النهر على نمط مشروع الجزيرة، ولكن بمقياس أصغر كثيرا. ولكن هذه المشروعات لم تحرز النجاح المأمول لسبب عام هو أن السكان لم يؤهلوا بكفاية للنشاط الجديد. وهناك أيضا أسباب أخرى منها نقص تسهيلات التسويق للمحاصيل النباتية والحيوانية في شرق كردفان، وأن الزراعة الآلية في جبال النوبا استفاد منها كبار المستثمرين، الذين قضوا على أشكال من الحياة الشجرية اللازمة لحياة السكان المحليين الذين لم توجه إليهم ذتها اللغة العربية فيما بعد وأيضا بتسهيل النطق مشروعات التنمية الجديدة برغم أنهم زراع مهرة من قديم، ربما لقلة مواردهم المالية. وفي خشم القربة كان يجب أن يصاحب المشروع تنمية جنوب سهل البطانة بتقاليده الرعوية، وذلك بزراعة مساحات كبيرة من الذرة.
وفوق هذا فإن تخطيط وتنفيذ هذه المشاريع كان يتم بواسطة قرارات حكومية بعيدة عن استطلاع خبرة السكان المحليين حول بيئتهم. وهذا هو أحد مثالب التنمية، ليس في السودان وحدها، وإنما في غالبية دول العالم النامي. صحيح أن النوايا وراء قرارات التنمية خيرة، لكن الملاحظ أن الهدف التنموي شيء، وتنفيذ المستثمرين لهذه المشروعات شيء آخر يفيدهم في الكثير ويفيد السكان في القليل. وحتى هذا القليل يتخذ كواجهة دعائية لنجاح المشروع! هذا فضلا عن تضارب ملحوظ بين الوزارات والهيئات العامة. (1-9) إسقاطات حول احتياجات المياه للعام 2025
16
صفحه نامشخص