مصر والشام في الغابر والحاضر
مصر والشام في الغابر والحاضر
ژانرها
والعز بالعرب استنار مناره
ببزوغ شمس مراحم لن تأفلا
يا حبذا جرثومة الفضل الذي
طابت فروعا حسبما قد أصلا
فأنت ترى فرح هذا الشاعر السوري بزوال شمس الأتراك وبإشراق شمس العرب على يد إبراهيم، ولا شك في أن الإصلاح الذي قام به محمد علي باشا في مصر قد بلغت أخباره مسامع الشاميين، فأخذوا يتمنون لبلادهم مثل ما لقيت مصر. ولما رأى الناس الجيش المصري في بلادهم فرحوا واستبشروا.
قال الأستاذ كرد علي في أثناء فصل عقده للحديث عن أعمال إبراهيم باشا في سورية: إنه قد رتب المجالس العسكرية والملكية وأقام مجلس الشورى وغيره من النظم الحديثة، ورتب المالية وجعل نظاما لجباية الخراج ومعاملة الرعايا بالمساواة والعدل لا تفاوت في طبقاتهم ومذاهبهم؛ ولذلك لم يلبث الأمراء والمشايخ وأرباب النفوذ أن استثقلوا ظل الدولة المصرية، وتمنوا رجوع العثمانيين ليعيشوا معهم كالحلمة الطفيلية تمتص دماء الضعفاء وينالهم من ذلك مصة الوشل، مع أن البلاد رأت في أيام إبراهيم باشا إبطال المصادرات وتقدير حق التملك وتوطد الأمن في ربوعها، وأحييت الزراعة والتجارة والصناعة، وعممت تربية دود الحرير ودود القز، واستخرجت بعض المعادن ... وأكد الكثيرون أنه بعمله هذا استعادت أكثر قرى حوران وعجلون وحماة وحمص وغيرها من أعمال الشام عمرانها القديم، وخرب بعض القلاع التي كان يعتصم فيها الثائرون أحيانا مثل قلاع جبل اللكام وقلعة القدموس، وقرب العلماء والشعراء.
ولولا خطأ قام به إبراهيم باشا في البلاد لظلت دولته قائمة في الشام؛ وذلك أنه نفذ قانون «الجهادية» الذي سنه أبوه في مصر، وكان عليه أن يؤخره إلى حين؛ لأن رجال البلاد وشبانها قد تعودوا الكسل والخمول، وكان ينبغي أن يتريث بعض التريث.
قال الأستاذ كامل الغزي: «وفي سنة 1254ه وقع القبض والتفتيش على أولاد المسلمين ليدخلوا في النظام العسكري، ومن لم يوجد منهم قبض على أبيه أو أمه أو زوجته وعذبوا إلى أن يحضر الرجل المطلوب، ومن هرب منهم أو أحجم عن السفر يجعل هدفا للرصاص.» وقد رأى أرباب العثمانيين وأنصارهم في بلاد الشام أن الشاميين قد انقلبوا على الدولة المصرية، فأخذوا ينفخون في النار حتى قامت الثورة في الشمال والجنوب، واستغل الترك هذه الثورات فجهز سلطانهم محمود سنة 1255ه جيشا يقارب السبعين ألفا وعلى رأسه حافظ باشا، فالتقى الجيشان في نصيبين وهزم الجيش العثماني وغنم المصريون مغانم كثيرة، وفي هذه الفترة مات السلطان محمود وخلفه ابنه عبد المجيد، وكان على حداثة سنه ذكيا لبقا، فاتفق مع دول أوروبا ضد الدولة المصرية، ولما رأى محمد علي تكاتف دول أوروبا عليه عزم على محاربتهم جميعا، ووقعت حروب بين الأسطول الإنكليزي في بيروت وصيدا وعكا، ثم اضطر الجيش المصري أن ينسحب، فانسحب من الديار السورية وأهل العقل والمروءة والوطنية يبكون على فراق هذه الدولة الحكيمة على قصر أيامها.
قال الأستاذ كرد علي: «وكانت حكومة محمد علي من أفضل ما رأت الشام من الحكومات منذ ثلاثة أو أربعة قرون، بل إن الشام في القرون الوسطى والحديثة لم تسعد بما يقرب منها فضلا عما يماثلها.»
وكتب المستر برانت قنصل بريطانيا في دمشق إلى سفير دولته في الآستانة سنة 1858ه ما تعريبه: «ولما كانت الإيالة تحت حكم محمد علي باشا عاد كثير إلى سكنى المدن والقرى المهجورة الواقعة حوالي حمص وفي كل الجهات الواقعة على حدود البادية، وفي هذه الأماكن أكره العرب على احترام سلطة الحكومة وجعل السكان بمأمن من اعتداءاتهم ... ولم يكد المصريون يطردون من البلاد ويتقلص ظل سطوتهم، وقد كانوا أخضعوا الجميع لحكمهم الشديد، حتى عاد القوم إلى نبذ الطاعة، وخلفت الرشوة والتبذير في إدارة المالية النزاهة والاقتصاد، ومنيت المداخيل بالنقص.» •••
صفحه نامشخص