هذا مثل من القصص التي كان يستمع إليها الأطفال كل مساء إذا أنهكهم التعب من اللعب والجري، وقد تراها بسيطة عارية من كل جمال أو لذة، ولكن لا ريب عندي أنه لما كانت تروى قديما، فإن عيون الأطفال السود لمعت بنور الإعجاب والدهشة، ولا بد أن الساحر الذي يفصل الرأس ويثبته ثانيا كان موضع إعجاب الجميع، وأن التمساح الذي يتكلم كان يخيل إليهم أنه حقيقة لا مراء فيها ولا جدال.
وعلى كل حال، لقد قرأت الآن أقدم الأساطير، وهي أجداد - إن صح أن نقول ذلك - القصص العظيمة الحاضرة، التي تنال إعجاب الأطفال، وتدخل السرور لقلوبهم الصغيرة في كل زمان ومكان.
الفصل التاسع
استكشاف السودان
لا توجد رواية أمتع من رواية استكشاف القارة المظلمة «أفريقيا»؛ لقد استكشفت جزءا جزءا، حتى انتهى الأمر بمعرفة الأسرار العظيمة التي ظلت مدفونة في جوفها أعواما لا عداد لها.
ولكن هل يمكن تصور طول هذه القصة، التي بدأ الفصل الأول منها منذ أحقاب لا تعد؟
ونحن نقرأ هذا الفصل باللغة المصورة الأنيقة - التي كان يكتب بها قدماء المصريين - على جدران المقابر، في الجزء الجنوبي من مصر، في مكان يدعى «أليفانتين».
في الأزمنة القديمة، كانت حدود مصر الجنوبية تقف عند الشلال الأول، حيث تنصب مياه النيل في سيول عظيمة.
ولقد اختفى ذلك الشلال الآن؛ لأن المهندسين الإنجليز بنوا سدا عظيما في عرض النهر في هذه النقطة، وتحول الجزء الذي يلي هذا السد من جهة الجنوب إلى بحيرة كبيرة، أما في تلك الأيام الغابرة، فكان المصريون يعتقدون أن النيل - الذي يدينون له بكل شيء - ينبع عند الشلال الأول.
ومع ذلك فكانوا يعرفون شيئا عن مملكة نوبيا المتوحشة الكائنة خلف الشلال؛ لأنه قبل خمسة آلاف سنة كان المصريون يرسلون - بين آن وآخر - حملات استكشافية إلى الأرض شبه الصحراوية، التي نعرفها الآن باسم السودان.
صفحه نامشخص