ويبدأ بتعليمه القراءة والكتابة، ولم يكن ذلك أمرا بسيطا، إلا أن الكتابة المصرية وإن ظهرت في شكل بديع يثير الإعجاب والدهشة إذا نسختها يد ماهرة متمرنة، فإن تعلمها أمر من أشق الأمور، خاصة وأن المبتدئ كان عليه أن يجيد كتابة أسلوبين مختلفين. ولا أظن أنك لو طالعت في كتب - أمليت في عهد قديم للتلاميذ - تعثر على شيء عظيم الأهمية. ولدينا الآن عدة كتب مصرية مملاة أو منسوخة من كتب أخرى، وقام بنسخها التلاميذ أثناء تمرينهم على الكتابة، ومن هذه الكتب يتبين لنا بوضوح ما كان يغرم بقراءته قدماء المصريين؛ لأن هؤلاء التلاميذ كانوا يكتبون كلمات حكمائهم وبعض القصص القديمة أثناء تمرينهم على إجادة الخط. هذا ما نفهمه من هذه الكتب التي كلفت كاتبيها من المشقة والعناء ما لا يحكم به كاتب الآن. ولما كان المدرسون المصريون يعتمدون على العصا في تأديب التلاميذ وتعليمهم، فكثيرا ما كانت تاهوتي الصغيرة تذرف الدمع وهي في المدرسة. وكان التلميذ المسكين ينتظر يوميا الجلد كما ينتظر الطعام الذي تحضره له أمه، وكان مدرسه يقول له: «أذنا الطفل فوق خديه، وهو يصغي جيدا كلما ضرب.»
وقد كتب تلميذ إلى معلمه القديم بعد أن ترك المدرسة بمدة طويلة، يقول: «كنت تحوطني برعايتك أثناء تربيتي وتعليمي وأنا طفل صغير، ولقد ضربتني بعصاك على ظهري فرسخت كلماتك في أذني.»
أما إذا كان الطفل عنيدا؛ فإنه يعاني أنواعا من العقوبات يهون بجانبها ضرب العصا، فلقد كتب تلميذ لمعلمه: «لقد كنت شديدا علي وأنا تلميذك، وإني لا أزال أذكر ثلاثة أشهر قضيتها في المعبد عقابا لي.»
وكان وقت العمل المدرسي نصف يوم، يخرج بعده التلاميذ إلى منازلهم وهم يصيحون من الفرح والسرور. ولم تتغير هذه العادة رغما عن طول ما بيننا وبينهم من الزمن.
ولا أظن أنهم كانوا يقومون ببعض الواجبات المدرسية في منازلهم، وربما كان وقتهم في المدرسة أقل فظاعة مما نتخيل عنه؛ بسبب ما ذكرنا من وصف عقوباتهم.
وإذا كبر «سن سنب» عن ذلك قليلا، وأتقن أصول الكتابة، يطلب معلمه منه - على سبيل الامتحان - أن ينسخ له عدة صحائف من خيرة الكتب المصرية، وكان غرضهم من ذلك أن يتقن الناشئ كتابة الخط، ولينمي ملكة إنشائه، فكان ينقل من كتب شعرية أو دينية أو من الأساطير.
ولم يكن هم المعلم من إملاء تلميذه القطعة أو أمره بنقلها من كتاب أو نحوه أن يحسن خطه فقط، وإنما كان يأمل فوق ذلك أن يثقف عقله وينير إدراكه بالأفكار السامية.
لذلك كان يختار موضوعات مفيدة، مثل نصيحة ملك لابنه وغيرها. وفي بعض الأحيان كان المعلم يكاتب تلاميذه كما لو كانوا أصدقاء فرق بينهم الدهر.
وتعليم الحساب لحسن الحظ لم يكن يستوجب حفظ قواعد كثيرة. وعلى العكس كانت قواعده محدودة، فيبدأ المعلم بتلقين التلميذ مبادئ الجمع والطرح والضرب، والطريقة التي كانت حينذاك عقيمة وبطيئة، أما القسمة فلم يكن التلاميذ يتعلمونها؛ ليس لسبب إلا أن المعلم نفسه كان يجهلها.
وكان التلميذ يتعلم شيئا عن قياس مساحة الأراضي بطريقة بدائية عقيمة، وينتهي تعليمه الأولي إذا أتقن ما قدمنا من العلوم.
صفحه نامشخص