تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
ژانرها
وأغرب ما في التقسيم، الذي قال عنه كلوت بك أن الجيزة كانت جزءا من البحيرة؛ والغربية جزءا من المنوفية؛ وأن العريش كان تابعا للدقهلية؛ والقليوبية تابعة لمصر.
و(محمد علي) أول من سمى رئيس المديرية «مديرا»، ورئيس المركز «مأمورا» ورئيس القسم «ناظرا»، وأما رئيس الناحية فما فتئ اسمه «شيخ بلد» منذ القدم.
وأوجد في كل ناحية، بجانب شيخها، مستخدما سماه «الخولي» وظيفته مراقبة الزراعة ومسح الطين؛ وآخر يقال له: «صراف» لجمع الأموال وتوريدها للمأمور؛ وثالثا يقال له: «الشاهد» وهو المأذون من قبل القاضي للحكم في قضايا الأحوال الشخصية، وتحرير عقود الزوجية وغيرها.
وكان مرجع شيخ البلد إلى الناظر؛ ومرجع الناظر إلى المأمور؛ ومرجع المأمور إلى المدير؛ ومرجع المدير إلى ديوان الداخلية. على أن كل مأمور كان مكلفا ككل مدير برفع تقرير أسبوعي عن أعماله وإجراءاته إلى ذلك الديوان عينه ليقف هذا على مجريات الأمور.
أما المديرون فكانوا كلهم أتراكا أو مماليك من مماليك الباشا العظيم، وأما المأمورون فقد اجتهد (محمد علي) في جعل معظمهم من أبناء مصر دون أن يبالي بكونهم مسلمين أو أقباطا، وكذلك نظار الأقسام.
لكن التجربة لم تفلح، لسببين:
الأول: هو أن المصريين، في تلك الأيام، بالنسبة لوجود معايب الشعوب المستعبدة زمنا طويلا، ونقائصها فيهم، لم تكن لهم ذاتية، ولم يكونوا أكفاء للإمرة، فكان المقلد منهم سلطة يستبد بمن كانوا إخوانه بالأمس استبدادا فاحشا، مع خنوعه أمام رؤسائه خنوعا شائنا.
والثاني: هو أن هيبة الأتراك ، بالرغم من أن الجيش المصري كسر أولئك العتاة الذين استعبدوا المصريين أجيالا وقرونا، كانت لا تزال متأصلة في نفوسهم تأصلا عظيما: فكان مأمور المركز، أو ناظر القسم المصري يقف محتشما أمام قواصه التركي ذاته احتشاما فائقا؛ فما بالك في حضرة ملتزم من الملتزمين الأتراك، أو حضرة ذي حيثية من رجال ذلك العنصر القاهر؟
وكان (محمد علي) عينه، بالرغم من كل مجهوداته لرفع درجة العنصر الفلاح المصري إلى مستوى درجة العنصر التركي، لا يستطيع - لأن تربيته الأصلية تركية وشعوره تركي محض - أن يحمل نفسه على تقدير فلاحي مصر أكثر من الأتراك، والركون إليهم في المهمات أكثر من ركونه إلى أبناء جنسه، ولا أدل على استمرار الشعور التركي حيا فيه حياة قوية، بالرغم من تعشقه مصر وامتلاء قلبه بحبها، وبالرغم من اشتباكه مع تركيا في حرب كان يلعب فيها بعرشه، بل بذات حياته وحياة أولاده، من الجواب الذي أجاب به ذات يوم وجيها من الغربيين أقبل يهنئه بالانتصارات التي أحرزها جيشه المصري على الجيوش التركية، ويكيل الثناء جزافا لأبناء مصر البواسل، المقاتلين بفوز مستمر، فوق ربوع الشام وبطاح الأناضول، فإن (محمد علي) قطع عليه كلامه قائلا: «لا تنس، يا صديقي. أن الذين يفوزون في المعارك إنما هم الضباط لا الجنود، وأن ضباط الجيش المصري كلهم أتراك».
2
صفحه نامشخص