تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

الیاس ایوبی d. 1346 AH
152

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرها

وكانت تلك المدرسة تعلم الإيطالية، والعربية، والإنجليزية لمن يرغب فيها، والفرنساوية، والرياضيات، ومسك الدفاتر، والفلسفة الطبيعية، والتاريخ، والجغرافيا، والرسم على نوعيه، وكان معظم تلامذتها من اليهود، وليس بينهم سوى عشرين تلميذا مسلما.

وأما ما كان من شأن الإرساليات المدرسية، إلى البلاد الأوروبية ما بين سنة 1863 وسنة 1879 فقد بلغ عدد الطلبة الذين تألفت منهم نيفا ومائة واثنين وسبعين وزعوا كالآتي: مائة وعشرون أرسلوا إلى مدرسة الطب والمدرسة الحربية، بباريس؛ وخمسون، إلى مدارس طورينو العسكرية والملكية؛ وثلاثة فقط، إلى مدارس لندن الهندسية، وبلغ المنفق عليهم في تلك السنوات الست عشرة 163057 جنيها.

فمن شاء أن يقارن بين ما عمل في هذا المضمار في عهد (إسماعيل)، وما عمل في عهد أسلافه، فليعلم أن عدد طلبة الإرساليات المصرية إلى أوروبا بلغ في مدة حكم (محمد علي الكبير) و(إبراهيم الهمام)؛ أي: ما بين سنة 1816 وسنة 1848: 319 طالبا؛ وفي مدة حكم (عباس)؛ أي: ما بين سنة 1848 وسنة 1853: 19 طالبا؛ وفي أيام (سعيد)؛ أي: ما بين سنة 1854 وسنة 1862: 14 طالبا فقط؛ وأن جملة ما أنفق عليهم قد بلغ في عهدي الباشا الكبير وابنه 223233 جنيها؛ وفي عهد (عباس) 49675 جنيها؛ وفي أيام (سعيد) 69083 جنيها.

فإذا وجد قلة نسبية في المنصرف على أولئك الطلبة تحت حكم (إسماعيل) بالنسبة إلى المنصرف عليهم تحت حكم (سعيد)، فليعلم أن ذلك لسببين:

الأول: هو أن (سعيدا) لم يكن، من جهة، يعرف للنقود من قيمة، كما سبق لنا القول؛ وكان، من جهة أخرى، كأسلافه، يعتقد أنه كلما زاد إنفاقه على طلبة إرساليته، كلما حق له أن يطالبهم، لدى عودتهم، بمعرفة كل فن وحرفة، لا بمعرفة ما تخصصوا له وأتقنوه فقط.

والثاني: هو أنه اتضح (لإسماعيل) أن طلبة الإرساليات، بالرغم من بقائهم زمنا في المعاهد الأوروبية، واقتباسهم العلوم المعلمة فيها، وإتقانهم إياها، في أغلب الأحيان، إتقانا يجعلهم متفوقين، في مضمارها النظري، على أقرانهم الغربيين، لم يكونوا يكتسبون إقدام هؤلاء، ولا روح الاعتماد على النفس، المتقوية به هممهم في معاركة مصاعب الحياة؛ بل كانوا لا ينفكون متمسكين بأذيال الحكومة، متنكبين عن العمل في ميدان الاستقلال الشخصي، إلا إذا أخذت هي بيدهم. من ذلك أن الأطباء المصريين الذين تخرجوا من مدرسة باريس لغاية سنة 1870 بالرغم من نيلهم شهاداتهم العليا فيها، وتمرنهم على العمل، تمرنا مفيدا، في المستشفيات العسكرية والملكية، أثناء الحرب المشهورة بين فرنسا وألمانيا، لم يقع في خلدهم، مطلقا، لدى عودتهم إلى مصر، أن يفتحوا عيادات خصوصية، ويزاحموا زملاءهم الغربيين في أعمالهم، مزاحمة، كان من المحتم أن يفوزوا عليهم فيها، لكونهم أبناء البلاد، العارفين لغتها وعوائدها، والمتخلقين بأخلاقها، ولأنهم أقرب، طبعا، إلى قلوب مواطنيهم من أولئك الأجانب؛ وأقبلوا يضايقون الحكومة بطلبات استخدام متتابعة، في مصالحها، كأنهم لا يستطيعون، بدونها، معاشا؛ أو كأنه لا قدرة لهم، ولا سلاح في أيديهم يضربون به في مناكب الأرض، ابتغاء للرزق!

فرأى، والحالة هذه، أن يقلل من مصروفاتهم، عسى أن تجبرهم قلة السعة في الإنفاق على التخلق بخلقي الهمة والإقدام.

وامتاز عهده عن عهد أسلافه، في أمر طلبة تلك الإرساليات، بأنه كان، إذا استخدم أحدا منهم في مصالح حكومته، بعد عودته إلى مصر، فإنما كان يعهد إليه القيام بشئون من النوع الذي تؤهله شهاداته للقيام به، وأما أسلافه، فقلما كانوا يراعون ذلك، وكثيرا ما تطالع في ما كتبه مؤرخو (محمد علي) الغربيون أنه كان يكلف المهندس، مثلا، بأعمال من اختصاصات طبيب بيطري، أو يكلف الطبيب البيطري بعمل طاه من الطهاة، وهلم جرا.

وقد سمعت من صديق لي، نقلا عن لسان عثمان باشا غالب - ولست أضمن صحة الرواية، بل أراني بما لدي من المعلومات التاريخية، مائلا إلى تكذيبها - أنه لما عاد إلى مصر ثلاثة من الذين أتموا دروسهم بأوروبا، ونبغوا فيها - وهم من أصبحوا فيما بعد، علي باشا إبراهيم، وعلي باشا مبارك، وحماد بك، ومثلوا بين يدي (عباس)، ليقدموا له واجب عبوديتهم، ويضعوا أنفسهم تحت تصرفه، كان فكره منصرفا إلى إنشاء معمل شمع؛ فسألهم: «أيمكنكم أن تصنعوا لي شمعا؟» فأجابوا: «إننا، يا أفندينا، لم نتعلم ذلك!» فاحتدم غيظا وقال: «إني، إذا، لقد أنفقت نقودي على تعليمكم سدى!» وأمر بهم، فطرحوا أرضا، وضربوا خمسين سوطا، فخرجوا من لدنه في حال انفعال لا مزيد عليه، وهم ناقمون على عقله وعقليته، ولاعنون الساعة التي عادوا فيها من أوروبا.

14

صفحه نامشخص