هذا هو تاريخك يا مصر العظيمة .. شدي حيلك يا مصر، وقومي قومتك، وبرهني على وجودك، وأثبتي لكل طامع أنك لست نائمة، بل يقظى مفتوحة العينين .. عارفة بما يجري في الخفاء، ومدركة لما يدبر ضدك وما يحيكه للإيقاع بك قوم من الأقزام الصعاليك، باءوا بالفشل وانقسموا على أنفسهم، وتفرقوا أباديد وصاروا أضحوكة الدنيا، فما هم الذين عملوا فغنموا، ولا هم الذين سكتوا فسلموا .. قومي وانهضي .. وثبي وثبة الليوث والنمور، وانقضي على أعدائك المتربصين بك، وافتكي بهم، ومثلي بأجسادهم، واشربي من دمائهم، وتخلصي من أشلائهم النجسة .. بارك الله فيك يا مصر، وزودك بنصر من عنده .. والحمد لله رب العالمين.
مصر مئذنة مضيئة
لو كان بمصر مئذنة واحدة، لكانت أرضها مباركة، فما بالك وفيها ألف مئذنة ومئذنة، ومئات الكنائس المقدسة .. حقا، أنعم بها من بلد! وأنعم بها من أرض! وأنعم بها من وطن! هي وطن ولا كل الأوطان .. يقيم فيها الشيخ المسلم ويقيم معه فيها القس المسيحي، كلاهما يأكل من صحفة واحدة .. إنها أرض التسامح في أرقى صوره، وأنصع أشكاله وأجمل مناظره، وأزكى روائحه ونسائمه .. هي بلد للجميع؛ بلد يجذب إليه المسلم والمسيحي ليجدا لهما فيه مكانا .. المسلم تحت قبة المسجد، والمسيحي تحت قبة كل كنيسة .. هلال الإسلام يعانق فيها صليب المسيحية عناقا مباركا، قوامه المحبة والسلام والوئام وحسن التفاهم وتوحد الآراء والمشارب والأهداف.
كلمات الله في مصر واحدة، الكل يرددها وينطق بها .. فالمسيحي يقرأ القرآن، والمسلم يردد كلمات السيد المسيح وآيات الإنجيل .. الكل يؤمن بإله واحد، وتجد صورة العذراء مريم في كل بيت تحكي رواية السيد المسيح في صدق وإخلاص، وبحلاوة ما بعدها حلاوة .. تدل على الإيمان الصادق بالسيد المسيح، وعلى المحبة والتسامح على الأرض كلها .. قرآن واحد يحكم مصر العزيزة، قرآن في كتابين .. بل قل في سفرين عظيمين .. الكل ينهل منهما، والكل يؤذن بهما ولهما، والكل يجاهر بالحب لهما، فكلاهما حبيب إلى القلوب المصرية الزاخرة بالتسامح والحب والأمان.
أنت، يا مصر، مئذنة مضيئة للإسلام والمسيحية على حد سواء، في مصر وفي جميع الأقطار العربية وغير العربية المؤمنة مثلنا .. يكفيك يا مصر مآذن الأزهر الشريف وقباب الكاتدرائية المسيحية، كل منها معقل قوي يشع نورا قدسيا يملأ القلوب عمارا وسدادا وإيمانا ومحبة في الله ولله، ولا أحد سوى الله جل وعلا.
أنت قبس ونور يا مصر
مصر علم يقف على سارية شاهقة متينة .. مصر أشهر من نار على علم .. مصر قبس ونور .. مصر تعلم من لا يتعلم .. تعلمه الأخلاق والصبر والإيمان، والجلد والصمود، والقناعة والرضا والأمل.
مصر نور الشمس في وضح النهار .. مصر نور لا يخبو ضوءه، ومشعل لا تنطفئ جذوته، ومنارة دائمة الإضاءة إلى الأبد.
مصر قبس مشع يسطع نوره في كل مكان، يراه الأعمى قبل غيره من الناس.
مصر مهد الحضارة، وهي التي أنارت العالم بحضارتها العريقة وعلومها وعلمائها وسادتها الكرام.
صفحه نامشخص