درس الفراعنة وقيمته لنا
إليوت سمث: صاحب النظرية القائلة بأن مصر أصل الحضارة.
كان درس الفراعنة مجهولا جهلا تاما إلى أن عرف شامبليون اللغة أو الخطوط المصرية القديمة، ولكن حتى بعد هذا الاكتشاف بقي تاريخهم مجهولا لأسباب كثيرة بعضها يرجع إلى العقائد الدينية، وهو أن الفراعنة كانوا كفارا، وما زلنا نسمي أطلال المدينة المصرية القديمة التي يأخذ الفلاحون ترابها لتسميد أرضهم بأنها «تل كفري» والمعنى المقصود هو أن هذه المدينة كان يسكنها الكفار قبل 3000 أو 4000 سنة.
ولكن روح التسامح الذي ساد أوروبا في القرن الماضي جعل الأوروبيين يتسامحون فيما كتب عن الفراعنة في التوراة، ويقبلون على دراسة آثارهم، ويخصون الكراسي في الجامعات لهذه الدراسة، بل يبعثون بالبعثات العلمية إلى مصر لكي تقوم بالتنقيب عن هذه الآثار وكشفها.
وبقينا نحن في مصر نجهل هذه الآثار، ولم تكن برامج التعليم تتناول التاريخ المصري إلا بصيغة موجزة كأنها خلاصة قد كتبها تلميذ للاستذكار فقط؛ ولذلك لم تبعث الدراسة المدرسية لتاريخ الفراعنة أي شوق بين الطلبة أو خريجي المدارس العليا للاستزادة، فلم يؤلف كتاب في تاريخ الفراعنة، ولم تتناول الجرائد أو المجلات هذا الموضوع.
وزاد على ذلك أنه لم يكن أحد من المصريين يتعلم اللغة المصرية القديمة، بل اقتصر تعلمها على الأجانب الذين كانوا يؤلفون بلغاتهم الأجنبية.
ولكن الحال ليست كذلك الآن؛ فإن النهضة الحديثة إلى الاستقلال والحرية بعثت كبرياء جديدة في نفوس الشبان، جعلتهم يعتزون بذكر الفراعنة ويفخرون بآثارهم، ووافق ذلك نجاح بعض المصرلوجيين مثل سليم حسن وسامي جبرة في كشف بعض الآثار، فوجدت الصحف موضوعا للكلام عن الفراعنة، كما أن «درامة» توت عنخ آمون قد بعثت الانتباه بل الدهشة والغبطة بين جميع أبناء الأمة، وبعد ذلك أو في أثناء ذلك حدثت تلك الزوبعة في الفنجان عن الفرعونية والعربية، فكانت أيضا على صغرها موضوعا للتنبيه العام عن قيمة الفراعنة في ثقافتنا أو في نهضتنا.
هذا التنبيه واضح حتى في تلك الأسر التي قد لا يفكر الآباء فيها في قيمة الحياة الفرعونية وهم مع ذلك يسمون أبناءهم بأسماء مصرية مثل رمسيس وأسيس وخوفو وأهمس، والمسلمون والمسيحيون سواء في ذلك. •••
ولكن مع كل ذلك لا يزال اهتمامنا بدرس الفراعنة ضئيلا إذا قيس بدرس الأوروبيين والأمريكيين له؛ فإن الكتب التي ألفت عن تاريخ جدودنا تعد بالمئات في اللغة الإنجليزية وحدها، وجميع الجامعات الأوروبية وبعض الأمريكية ينفق النفقات الكبيرة على إلقاء المحاضرات عن الفراعنة وبعث البعثات إلى مصر لدرس آثارهم، وقبل نحو أربع سنوات عرض علينا معهد روكفلر أن ينفق نحو مليوني جنيه للتنقيب، وعرض مع ذلك أن نضع نحن شروطنا لهذا التنقيب، ولكنا رفضنا، ولم يقل لنا أحد للآن لماذا رفضنا؟
واهتمام الغربيين بالآثار المصرية هو الذي يجعل مصرلوجيا عظيما مثل الأستاذ سليم حسن يؤلف كتبه عن مكتشفاته باللغة الإنجليزية دون العربية؛ لأنه يثق من وجود جمهور من القراء حين يؤلف باللغة الإنجليزية، وهو لا يثق من وجود هذا الجمهور بين أبناء بلاده.
صفحه نامشخص