بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول في العبودية قال الصادق (ع): أصول المعاملات تقع أربعة أوجه معاملة الله ومعاملة النفس ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكل وجه منها منقسم على سبعه أركان أما أصول معاملة الله تعالى فسبعة أشياء أداء حقه وحفظ حده وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه
صفحه ۵
وأصول معاملة النفس سبعة الخوف والجهد وحمل الأذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر وأصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو والتواضع والسخاء والشفقة والنصح والعدل والانصاف وأصول معامله الدنيا سبعه الرضا بالدون والايثار بالموجود وترك طلب المفقود وبغض الكثرة واختيار الزهد ومعرفة آفاتها ورفض شهواتها رفض الرياسة فإذا حصلت هذه الخصال في نفس واحدة فهو من خاصه الله وعباده المقربين وأوليائه حقا
صفحه ۶
الباب الثاني قال الصادق (ع): العبودية جوهر كنهها الربوبية فما فقد من العبودية وجد الربوبية وما خفى عن الربوبية أصيب في العبودية قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك.
وتفسير العبودية بذل الكل وسبب ذلك منع النفس عما تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحة وحب العزلة وطريقة الافتقار إلى الله تعالى
صفحه ۷
قال النبي (ص): اعبد الله كأنك تراه فإن تكن تراه فإنه يراك وحروف العبد ثلاثة (ع ب د) فالعين علمه بالله والباء بونه عمن سواه والدال دنوه الله تعالى بلا كيف ولا حجاب وأصول المعاملات تقع على أربعة أوجه كما ذكر في أول الباب الأول
صفحه ۸
الباب الثالث في غض البصر الصادق (ع): ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر لأن البصر لا يغض عن محارم الله تعالى إلا و سبق إلى قلبه مشاهده العظمة والجلال سئل أمير (ع) بما ذا يستعان على غض البصر فقال (ع): بالخمود تحت السلطان المطلع على سرك والعين جاسوس القلوب وبريد العقل فغض بصرك عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك قال النبي (ص): غضوا ابصاركم ترون العجايب
صفحه ۹
قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم).
وقال عيسى بن مريم (ع) للحواريين إياكم والنظر إلى المحذورات فإنها بذر الشهوات وبنات الفسق قال يحيى (ع): الموت أحب إلى من نظره بغير واجب.
وقال عبد الله بن مسعود لرجل نظر إلى امرأة قد عادها في مرضها لو ذهب عيناك لكان خيرا لك من عيادة مريضك ولا تتوفر عين يصيبها من نظر إلى محذور إلا وقد انعقد عقده على قلبه من المنية ولا تنحل بإحدى الحالين: أما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة وأما بأخذ نصيبه مما تمنى ونظر إليه فاخذ الحظ من غير توبة فيصيره إلى النار وأما التائب البالي بالحسرة والندامة عن ذلك فمأواه الجنة ومنقلبه الرضوان
صفحه ۱۰
الباب الرابع في المشي قال الصادق (ع) ان كنت عاقلا فقدم العزيمة الصحيحة والنية الصادقة في حين قصدك إلى أي مكان أردت فإن النفس التخطي إلى محذور وكن متفكرا في مشيك ومعبرا بعجائب صنع الله تعالى أينما بلغت ولا تكن مستهزءا ولا متبخترا في مشيك قال تعالى: ولا تمش في مرحا الخ وغض بصرك عما لا يليق بالدين واذكر كثيرا فإنه قد جاء في الخبر ان المواضع التي يذكر الله فيها وعليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة وتستغفر لهم إلى أن يدخلهم الله الجنة ولا تكثرن
صفحه ۱۱
الكلام مع الناس في الطريق فإن فيه سوء الأدب وأكثر الطرق مراصد الشيطان ومتجرته فلا تأمن كيده واجعل ذهابك ومجيئك في طاعة الله والسعي رضاه فإن حركاتك كلها مكتوبه في صحيفتك قال تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون) وقال الله تعالى: (وكل انسان ألزمناه طائره عنقه).
صفحه ۱۲
الباب الخامس في العلم قال الصادق (ع): العلم أصل كل حال سنى ومنتهى كل منزلة رفيعة ولذلك قال النبي (ص) طلب العلم فريضة كل مسلم ومسلمة أي علم التقوى واليقين.
وقال علي (ع): اطلبوا العلم ولو بالصين فهو علم معرفة النفس ومعرفة الرب عز وجل قال النبي (ص): من عرف نفسه عرف ربه ثم عليك من العلم بما لا يصح العمل به وهو الاخلاص.
قال النبي (ص): نعوذ بالله علم لا ينفع وهو العلم
صفحه ۱۳
الذي يضاد العمل بالاخلاص واعلم أن قليل العلم يحتاج إلى كثير العمل لأن علم الساعة يلزم صاحبه استعمال طول دهره.
قال عيسى بن مريم (ع) رأيت حجرا عليه مكتوب اقلبني فقلبته فإذا على باطنه مكتوب من لا يعمل بما يعلم مشؤم عليه طلب ما لا يعلم ومردود عليه ما علم أوحى تعالى إلى داود (ع): ان أهون ما انا صانع بعالم عامل بعلمه أشد من سبعين عقوبة باطنة ان اخرج قلبه حلاوة ذكرى وليس إلى الله سبحانه طريق يسلك بعلم والعلم زين المرء في الدنيا والآخرة وسائقه الجنة وبه يصل إلى رضوان الله تعالى والعالم حقا الذي ينطق فيه أعماله الصالحة وأوراده الزاكية وصدقه وتقواه لا لسانه ومناظرته ومعادلته وتصاوله ودعواه ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان
صفحه ۱۴
فيه عقل ونسك وحكمه وحياء وخشية وانا نرى طالبه اليوم ليس فيه من ذلك شئ والعالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة ونصح وحلم وصبر وقناعة وبذل والمتعلم يحتاج إلى رغبة وإرادة وفراغ ونسك وخشية وحفظ وحزم
صفحه ۱۵
الباب السادس في الفتياء قال الصادق (ع): لا يحل الفتياء لمن لا يصطفى من الله تعالى بصفاء سره واخلاص علمه وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال لأن من أفتى فقد حكم والحكم لا يصح إلا باذن من الله عز وجل وبرهانه ومن حكم بالخير بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه دل الخبر العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء قال النبي (ص): أجرأكم على الفتياء أجرأكم على الله عز وجل أو لا يعلم المفتى انه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار
صفحه ۱۶
قال سفيان بن عيينة: كيف ينتفع بعلمي غيري وانا قد حرمت نفسي نفعها ولا يحل الفتياء في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن اتبع الحق من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي (ص) وعرف ما يصلح من فتياه قال النبي (ص): وذلك لربما ولعل ولعسى لأن الفتياء عظيمة قال أمير قوله المؤمنين (ع): لقاض هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال لا قال: فهل أشرفت على مراد الله عز وجل في أمثال القرآن؟ قال: لا. قال (ع): إذا هلكت وأهلكت والمفتى يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقايق السنن وبواطن الإشارات والآداب والاجماع والاختلاف والاطلاع على أصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه ثم إلى حسن الاختيار ثم إلى العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوى ثم حينئذ ان قدر.
صفحه ۱۷
الباب السابع في الامر بالمعروف والنهى المنكر قال الصادق (ع): من لم ينسلخ هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ويهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله تعالى وأمان عصمته لا يصلح له الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنه لم يكن بهذه الصفة فكلما أظهر أمرا يكون حجه ولا ينتفع الناس به.
قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم). ويقال له: يا خائن ا تطالب خلقي خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك روى أن ثعلبة الأسدي سال رسول الله (ص) عن
صفحه ۱۸
هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فقال رسول الله (ص): (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على أصابك) حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا واعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العامة وصاحب الامر بالمعروف يحتاج أن يكون عالما بالحلال والحرام فارغا من خاصة نفسه مما يأمرهم وينهاهم عنه ناصحا للخلق رحيما لهم رفيقا بهم داعيا لهم باللطف وحسن البيان عارفا بتفاوت أخلاقهم لينزل كلا بمنزلته بصيرا بمكر النفس ومكائد الشيطان صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها ولا يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتاظ لنفسه مجردا نيته لله مستعينا به تعالى ومبتغيا لوجهه فإن خالفوه وجفوه صبر وان وافقوه وقبلوا منه شكر مفوضا امره إلى الله ناظرا إلى عيبه
صفحه ۱۹
الباب الثامن في آفة العلماء قال الصادق (ع): الخشية ميراث العلم وميزانه والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان يشق الشعر بمتشابهات العلم قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وآفة العلماء ثمانية: الطمع والبخل والرياء والعصبية وحب المدح والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته والتكلف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ وقلة الحياء من الله والافتخار وترك العمل علموا قال عيسى (ع) أشقى الناس من هو معروف
صفحه ۲۰
بعلمه مجهول بعمله وقال النبي (ص): لا تجلسوا كل داع مدع يدعوكم من اليقين إلى الشك ومن الاخلاص إلى الرياء ومن التواضع إلى الكبر ومن النصيحة إلى العداوة والزهد إلى الرغبة وتقربوا إلى عالم يدعوكم إلى التواضع الكبر ومن الرياء إلى الاخلاص ومن الشك إلى اليقين ومن الرغبة إلى الزهد ومن العداوة إلى النصيحة ولا يصلح لموعظة الخلق إلا من جاوز هذه الآفات بصدقه وأشرف على عيوب الكلام وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى قال (ع): كن كالطبيب الرفيق الشفيق الذي يضع الدواء بحيث ينفع في الخبر.
سألوا عيسى بن مريم (ع): يا روح الله مع من نجالس؟
قال (ع): من يذكركم رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله
صفحه ۲۱
الباب التاسع في الرعاية قال الصادق (ع): من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين ثم من رعى علمه عن الهوى ودينه عن البدعة وماله عن الحرام فهو من جملة الصالحين قال رسول الله (ص): طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو علم الأنفس فيجب أن يكون نفس المؤمن على كل حال في شكر عذر على معنى ان قبل ففضل وان رد فعدل وتطالع الحركات الطاعات بالتوفيق وتطالع السكون عن المعاصي بالعصمة وقوام
صفحه ۲۲
ذلك كله بالافتقار إلى الله تعالى والاضطرار والخشوع والخضوع ومفاتحها الإنابة إلى الله تعالى مع قصر الامل بدوام ذكر الموت وعيان الوقوف يدي الجبار لأن ذلك راحة من الحبس ونجاة من العدو وسلامة النفس وسبب الاخلاص في الطاعات التوفيق واصل ذلك أن يرد العمر إلى يوم واحد قال الله (ص): الدنيا ساعة فاجعلها طاعة وباب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر وسبب الخلوة القناعة وترك الفضول من المعاش وسبب الفكر الفراغ وعماد الفراغ الزهد وتمام الزهد التقوى وباب التقوى الخشية ودليل الخشية التعظيم لله تعالى والتمسك بخالص طاعة في أوامره والخوف والحذر مع الوقوف عن محارمه ودليلها العلم قال الله عز وجل:
(إنما يخشى الله من عباده العلماء).
صفحه ۲۳
الباب العاشر في الشكر قال الصادق (ع) في كل نفس من أنفاسك شكر لازم لك بل الف أكثر وأدنى الشكر رؤية النعمة من الله تعالى غير عله يتعلق القلب بها دون الله عز وجل والرضا اعطى وان لا تعصيه بنعمته وتخالفه بشئ من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا على كل حال تجد الله ربا كريما على كل حال ولو كان عند الله تعالى عباده تعبد بها عباده المخلصون أفضل من الشكر على كل لأطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها فلما يكن أفضل منها خصها من بين العبادات وخص أربابها فقال:
صفحه ۲۴