مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
محل انتشار
بيروت - لبنان
وَلَوَازِمِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى " الرَّاسِخُونَ " فِي الْعِلْمِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " أَنَا أَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَأَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. قِيلَ: وَهَذَا أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ أَيْ: يَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ حَتَّى يُطَابِقَ التَّأْوِيلُ سِيَاقَ ذَلِكَ النَّصِّ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ مَذْهَبَ الْخَلَفِ أَكْثَرُ عِلْمًا، فَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَوْلَى مَاذَا، أَهُوَ التَّفْوِيضُ أَمِ التَّأْوِيلُ؟ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ، فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي زَمَانِ السَّلَفِ أَوْلَى؛ لِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ الْبِدَعِ فِي زَمَانِهِمْ، وَالتَّأْوِيلُ فِي زَمَانِ الْخَلَفِ أَوْلَى؛ لِكَثْرَةِ الْعَوَامِّ وَأَخْذِهِمْ بِمَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْأَفْهَامِ، وَغُلُوِّ الْمُبْتَدَعَةِ بَيْنَ الْأَنَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ. ثُمَّ هُوَ قَسَمٌ، جَوَابُهُ [(لَا يَسْمَعُ بِي)]: وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِي نَفْسِي، لَكِنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ النَّفِيسَةَ مِنَ اسْمِهِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ هُوَ؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ وَأَوْقَعَ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ الْتَفَتَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ تَنْزِيلًا مِنْ مَقَامِ الْجَمْعِ إِلَى التَّفْرِقَةِ، وَمِنَ الْكَوْنِ مَعَ الْحَقِّ إِلَى الِاشْتِغَالِ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ، وَالِانْتِقَالِ مِنْ خِزَانَةِ الْكَمَالِ إِلَى مَنَصَّةِ التَّكْمِيلِ. قَالَ الْعَارِفُ السَّهْرَوَرْدِيُّ: الْجَمْعُ اتِّصَالٌ لَا يُشَاهِدُ صَاحِبُهُ إِلَّا الْحَقَّ، فَمَتَّى شَاهَدَ غَيْرَهُ فَمَا ثَمَّ جَمْعٌ، فَقَوْلُهُ: " آمَنَّا بِاللَّهِ " جَمْعٌ، وَ" مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا " تَفْرِقَةٌ. وَقَالَ الْجُنَيْدِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ، - وَيُسَمَّى سَيِّدَ الطَّائِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ قَطُّ بِمَا لَا يُطَابِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ -: الْقُرْبُ بِالْوَجْدِ جَمْعٌ، وَغَيْبَتُهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ تَفْرِقَةٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ بِلَا تَفْرِقَةٍ زَنْدَقَةٌ، وَكُلُّ تَفْرِقَةٍ بِلَا جَمْعٍ تَعْطِيلٌ. ثُمَّ قِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَوْ بِمَعْنَى " مِنْ "، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا) أَوْ ضِمْنَ مَعْنَى الْإِخْبَارِ أَيْ: مَا يَسْمَعُ مُخْبِرًا بِبَعْثِي، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُ رِسَالَتِي [(أَحَدٌ)] أَيْ: مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ سَيُوجَدُ " [(مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ)] أَيْ: أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَ" مِنْ " تَبْعِيضِيَّةٌ، وَقِيلَ: بَيَانِيَّةٌ [(يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ)]: صِفَتَانِ لِـ " أَحَدٌ " - وَحُكْمُ الْمُعَطِّلَةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ يُعْلَمُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى - أَوْ بَدَلَانِ عَنْهُ، بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، وَخُصَّا لِأَنَّ كُفْرَهُمَا أَقْبَحُ، وَعَلَى كُلٍّ لَا زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ [(ثُمَّ يَمُوتُ)]: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَلَوْ تَرَاخَى إِيمَانُهُ وَوَقَعَ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ نَفَعَهُ [(وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)] أَيْ: مِنَ الدِّينِ الْمَرْضِيِّ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ عَطْفٌ [(إِلَّا كَانَ)] أَيْ: فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ بِمَعْنَى يَكُونُ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ [(مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)] أَيْ مُلَازِمِيهَا بِالْخُلُودِ فِيهَا، وَأَمَّا الَّذِي سَمِعَ وَآمَنَ فَحُكْمُهُ عَلَى الْعَكْسِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَسْمَعُ وَلَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْوَعِيدِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ " لَا " فِي: " لَا يَسْمَعُ " بِمَعْنَى " لَيْسَ "، وَ" ثُمَّ يَمُوتُ " عَطْفٌ عَلَى " يَسْمَعُ " الْمُثْبَتِ، " وَلَمْ يُؤْمِنْ " عَطْفٌ عَلَى يَمُوتُ، أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِهِ وَلَيْسَ لِنَفْيِ هَذَا الْمَجْمُوعِ، وَتَقْدِيرُهُ: لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ، أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ كَائِنًا مِنْ أَصْحَابِ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
١١ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمِهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا - فَلَهُ أَجْرَانِ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١١ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁): أَسْلَمَ بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَ أَهْلِ السَّفِينَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَيْبَرَ، وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْبَصْرَةَ سَنَةَ عَشْرٍ، فَافْتَتَحَ أَبُو مُوسَى الْأَهْوَازَ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْبَصْرَةِ إِلَى صَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا فَانْتَقَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَقَامَ بِهَا، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ، ثُمَّ انْتَقَلَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ التَّحْكِيمِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: [(ثَلَاثَةٌ) أَيْ: أَشْخَاصٌ، " ثَلَاثَةٌ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ [(لَهُمْ أَجْرَانِ)] أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرَانِ عَظِيمَانِ مُخْتَصَّانِ بِهِ لَا مُشَارَكَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِمَا [(رَجُلٌ)]: بَدَلٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ بَدَلُ بَعْضٍ وَالْعَطْفُ بَعْدَ الرَّبْطِ، أَوْ بَدَلُ كُلٍّ وَالرَّبْطُ بَعْدَ الْعَطْفِ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَحَدُهُمْ، أَوْ مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ: مِنْهُمْ، أَوْ هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَ" لَهُمْ أَجْرَانِ " صِفَتُهُ، وَالْمَرْأَةُ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ [(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ)]: خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ النَّصْرَانِيُّ أَوِ الْيَهُودِيُّ أَيْضًا، وَإِلَى الْأَوَّلِ جَنَحَ صَاحِبُ " الْأَزْهَارِ "، وَأَيَّدَهُ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ، وَمَالَ غَيْرَهُ إِلَى
1 / 77