266

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

ناشر

دار الفكر

ویراست

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

محل انتشار

بيروت - لبنان

مِنَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْقِيَامَةِ، وَفِي الثَّانِي كَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا (فَاجْتَنِبْهُ): أَيِ احْتَرِزْ عَنْهُ (وَأَمْرٌ اخْتُلِفَ فِيهِ): عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، وَضُبِطَ فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ الضَّمَّةُ مَكْتُوبَةً أَوْ تُكْتَبَ بِالْحُمْرَةِ لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَالْقَطْعِ، حَتَّى فِي الْمُصْحَفِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْقَارِعَةِ﴾ [القارعة: ١] وَ﴿أَلْهَاكُمُ﴾ [التكاثر: ١] ثُمَّ هَمْزَةُ " اخْتُلِفَ " مَضْمُومَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا سَقَطَتْ فِي الدَّرَجِ يَجُوزُ ضَمُّ التَّنْوِينِ وَكَسْرُهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتَبَهَ وَخَفِيَ حُكْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ، أَيْ: وَالْأَدِلَّةُ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنَّ يُفَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا وَرَدَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ اهـ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ الشَّرْعُ مِثْلَ الْمُتَشَابِهَاتِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حُكْمَهُ، كَتَعْيِينِ وَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحُكْمِ أَطْفَالِ الْكَفَرَةِ (فَكِلْهُ): أَمَرٌ مِنْ وَكَلَ يَكِلُ (إِلَى اللَّهِ ﷿ أَيْ: فَوِّضْ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَقُلْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ نَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١٨٤ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاذَّةَ وَالْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ وَإِيَاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ») . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١٨٤ - (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ): الذِّئْبُ مُسْتَعَارٌ لِلْمُفْسِدِ وَالْمُهْلِكِ وَهُوَ بِالْهَمْزِ وَيُبْدَلُ (كَذِئْبِ الْغَنَمِ) أَيْ: فِي الْعَدَاوَةِ وَالْإِهْلَاكِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: ٦] الْآيَةَ (يَأْخُذُ) أَيْ: ذِئْبَ الْغَنَمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: صِفَةُ الذِّئْبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ كَمَثَلِ الْحِمَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْهُ وَالْعَامِلُ مَعْنَى التَّشْبِيهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآيَةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدِيثِ فَالْإِطْلَاقُ أَوْلَى مِنَ التَّقْيِيدِ، وَالْمَعْنَى يَأْخُذُ غَالِبًا أَوْ بِالسُّهُولَةِ مِنْ غَيْرِ تَدَارُكٍ (الشَّاذَّةَ): بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ: النَّافِرَةَ الَّتِي لَمْ تُؤْنَسْ بِأَخَوَاتِهَا، وَلَمْ تَخْتَلِطْ بِهِنَّ (وَالْقَاصِيَةَ): الَّتِي قَصَدَتِ الْبُعْدَ عَنْهُنَّ لِأَجْلِ الْمَرْعَى مَثَلًا لَا لِلتَّنَفُّرِ (وَالنَّاحِيَةَ): الَّتِي غُفِلَ عَنْهَا، وَبَقِيَتْ فِي جَانِبٍ مِنْهَا فَإِنَّ النَّاحِيَةَ هِيَ الَّتِي صَارَتْ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ أَخَوَاتِهَا لِغَفْلَتِهَا. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّاحِيَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ النُّونِ مَعَ الْجِيمِ: النَّجَاءُ السُّرْعَةُ، يُقَالُ: نَجَا يَنْجُو إِذَا أَسْرَعَ، وَنَجَا مِنَ الْأَمْرِ إِذَا خَلَصَ وَأَنْجَى غَيْرَهُ، وَمِنْهُ: إِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ وَالشَّاذَّةَ وَالنَّاجِيَةَ، أَيِ: السَّرِيعَةَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْحَرْبِيِّ بِالْجِيمِ اهـ.

1 / 268