184

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

ناشر

دار الفكر

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

محل انتشار

بيروت - لبنان

مِنْهُمْ شَقِيٌّ، وَسَعِيدٌ، فَالْأَطْفَالُ مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ سَعِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَهُوَ لَوْ عَاشَ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ التَّسَلُّمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَهُوَ لَوْ عَاشَ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِهَا اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ قَضِيَّةُ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ أَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا، فَهُوَ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ وَبَلَغَ أَشْرَكَ، وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ بِرَمْيِ أَنْفُسِهِمْ فِي النَّارِ فَمَنْ أَطَاعَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ أَبَى دَخَلَ النَّارَ، وَكَذَا الْمَجَانِينُ وَأَهْلُ الْفَتْرَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْحَقُّ أَيْضًا فِيمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي النَّارِ لِتِلْكَ الْآيَةِ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: («أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ») مُؤَوَّلَةٌ، وَعَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ. اهـ. وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
١١٢ - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («الْوَائِدَةُ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ») . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١١٢ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ): ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْوَائِدَةُ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ»: وَأَدَ بِنْتَهُ يَئِدُهَا وَأْدًا فَهِيَ مَوْءُودَةٌ إِذَا دَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَهَذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا مِنَ الْفَقْرِ، أَوْ فِرَارًا مِنَ الْعَارِ، وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يُخَلُّونَهَا، وَيُرَبُّونَهَا عَلَى طَرِيقِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ. قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: ٥٨ - ٥٩] اهـ؛ أَيْ: حُكْمُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْبَنَاتِ لِلَّهِ بِقَوْلِهِمْ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْبَنَاتِ.
قَالَ الْقَاضِي: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَدْفِنُونَ الْبَنَاتِ حَيَّةً، فَالْوَائِدَةُ فِي النَّارِ لِكُفْرِهَا وَفِعْلِهَا، وَالْمَوْءُودَةُ فِيهَا لِكُفْرِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْذِيبِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ تُؤَوَّلُ الْوَائِدَةُ بِالْقَابِلَةِ لِرِضَاهَا بِهِ، وَالْمَوْءُودَةُ بِالْمَوْءُودَةِ لَهَا، وَهِيَ أُمُّ الطِّفْلِ، فَحُذِفَتِ الصِّلَةُ إِذْ كَانَ مِنْ دَيْدَنِهِمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ حَفَرُوا لَهَا حُفْرَةً عَمِيقَةً فَجَلَسَتِ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا، وَالْقَابِلَةُ وَرَاءَهَا تَرْقُبُ الْوَلَدَ، فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا أَمْسَكَتْهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى أَلْقَتْهَا فِي الْحُفْرَةِ، وَأَهَالَتِ التُّرَابَ عَلَيْهَا، قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ يَأْبَى عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ تَأَمَّلْ. وَقِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي قَبْلَهُ إِنَّمَا أُورِدَا فِي هَذَا الْبَابِ اسْتِدْلَالًا عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَتَعْذِيبِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ، وَمَنْ أَرَادَ تَأْوِيلَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّ يُخْرِجَهُمَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنْ أُرِيدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا يَعُمُّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا نُقِلَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ، أَوْ مَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَانَ مَحْمُولًا فِي الْمَوْءُودَةِ عَلَى الْبَالِغَةِ اهـ.
وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ دَفَنَ وَلَدَهُ حَيًّا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي قِصَّةٍ خَاصَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ ابْنَيْ مُلَيْكَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَاهُ عَنْ أُمٍّ لَهُمَا كَانَتْ تَئِدُ فَقَالَ ﵊: الْحَدِيثَ.
أَمَّا الْوَائِدَةُ: فَلِأَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً، وَأَمَّا الْمَوْءُودَةُ فَلِأَنَّهَا وَلَدُ الْكَافِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ بَالِغَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ بَالِغَةٍ، وَلَكِنْ عَلِمَ ﵊ بِالْمُعْجِزَةِ كَوْنَهَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَقِيلَ: وَرَدَ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أَسْقَطَتْ حَمْلَهَا مِنَ الزِّنَا وَمَاتَا، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْذِيبِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي قَضِيَّةٍ خَاصَّةٍ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، فَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، نَعَمْ رَوَى الدَّارِمِيُّ فِي " جَامِعِ الصَّحِيحِ " «أَنْ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ فَكُنَّا نَقْتُلُ الْأَوْلَادَ، وَكَانَتْ عِنْدِي

1 / 186