271

مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان

مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر¶ من حوادث الزمان

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

محل انتشار

بيروت - لبنان

عبد الله بن عباس، ولي عهد السفاح بعد أخيه المنصور، وقد مضى ذكر خلعه.
سنة تسع وستين ومائة
فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد، ويؤخر موسى الهادي، فطلبه وهو بجرجان فلم يقدم، وفيها توفي المهدي أبو عبد الله بن أبي جعفر المنصور وهو في طلب الصيد، وذلك أنه ساق خلف صيد فدخل خربة، فتبعه المهدي فوقع به صدمة في باب الخربة لشدة سوقه فتلف لساعته، وقيل بل أكل طعامًا سمته جاريته لضرتها، فلما وضع يده فيه ما جسرت تقول هيأته لضرتي، وكانت خلافته تنيف على عشرين سنة، وكان ممدوحًا محبًا إلى الناس وصولًا لأقاربه قصامًا للزنادقة طويلًا أبيض مليحًا جوادًا، يقال إن المنصور خلف في الخزائن ألف ألف وستين ألف ألف درهم، ففرقها المهدي كلها، ولم يل الخلافة أحد أكرم منه ولا أبخل من أبيه، ويقال إنه أعطى شاعرًا مرة خمسين ألف دينار. وذكر بعض المؤرخين أن المهدي خرج إلى الأنبار متنزهًا، فدخل عليه الربيع بن يونس ومعه قطعة من جراب فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها أعرابي وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين، لوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، فأخذها المهدي وضحك وقال: صدق، هذا خطي وهذا خلقي، افلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: يا أمير المؤمنين أعلى رأيًا في ذلك، فال: خرجت أمس إلى الصيد في غير سيمائي فلما أصبحت هاج علينا ضباب شديد، وفقدت أصحابي حتى ما رأيت منهم أحدًا، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، فتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس ﵃ يرفعه قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وهدي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء، فلما قلتها رفع الله لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد نارًا بين يديه، فقلت: ايها الأعرابي هل من ضيافة؟ قال: انزل فنزلت، فقال لزوجته هاتي ذلك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه فابتدأت بطحنه، فقلت: اسقني ماء، فإني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة ما شربت شيئًا قط إلا وهي أطيب منه، وأعطاني حلسًا له يعني كساء رقيقًا وهو بالحاء والسين المهملتين وبينهما لام ساكنة قال: فوضعت رأسي عليه ونمت نومة ما نمت أطيب منها وألذ، ثم انتبهت فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها، وإذا امرأته تقول له:

1 / 277