اخترنا مجلسنا تحت شجرة كافور بكازينو الشاطئ. وكانت الشمس المائلة عن السمت تريق علينا شعاعها الدافئ فتذيب برد القاهرة القارص. وقالت وهي تتفادى طيلة الوقت من تلاقي عينينا: ما كان يجب أن أجيء.
فقلت بطمأنينة: ولكنك جئت فحسم مجيئك التردد. - لم يحسم شيئا، ثق من ذلك!
نظرت إليها وبي تصميم على القفز إلى الهاوية: إني مقتنع بأن مجيئك ... - كلا، المسألة أني لم أرض أن أبقى وحيدة مع رسائلك. - لا أظن أن رسائلي تتضمن جديدا. - ولكنك أرسلتها لشخص لا وجود له!
فلمست يدها المطروحة على المائدة كأنما لأثبت لها الوجود، ولكنها سحبتها وهي تقول: لقد أرسلتها بعد زمانها بأربع سنوات! - إنها تتضمن أشياء تجاوز بطبعها الزمان والمكان. - ألا ترى أنني ضعيفة وتعيسة! - وأنا كذلك، إني في رأي أصحابنا جاسوس. وفي رأي نفسي خائن. ولا ملجأ لي إلا أنت. - أي دواء. - لا يبقى غيره إلا الموت أو الجنون.
نفخت في توتر معذب ثم تمتمت: إني خائنة من قديم الزمان. - بل كنت مثال الإخلاص الزائف. - تعريف آخر للخيانة التي مزقتني.
فقلت بغضب: إننا نتمزق بلا سبب حقيقي، وذاك جوهر المأساة.
ونظرنا إلى النيل بلونه الرصاصي وأمواجه شبه الساكنة. ثم تسللت يدي من وراء النافذة إلى يدها فاحتوتها بحنان، وشدت قليلا لتسكت مقاومتها الضعيفة. وهمست: لا يجوز أن نذعن لرواسب غير صحية.
فقالت بحزن: إننا نتدهور معا بأكثر مما تصورت. - لكنا سنخرج من التجربة كالمعدن النقي.
ووجدت رغبة طاغية تدفعني إلى الحضيض كأنما الحضيض غاية منشودة تطلب لذاتها، أو كأنما الجحيم أمسى هدف الإنسان النهم إلى السعادة. •••
التقيت في محطة مصر بصديق قديم، صحفي وذي ميول تقدمية ولكنه لم يشتغل بالسياسة. جلسنا في البوفيه، أنا في انتظار الديزل وهو في انتظار شخص قادم من القنال. قال: علي أن أشكر هذه الفرصة الطيبة فقد كنت أود أن أقابلك.
صفحه نامشخص